الصديق العزيز فؤاد أبو نبيل
لا أخفي عليك ولا على القراء والقارئات، أنني عندما أكتب نصّي، لا أسعى لتحقيق آمال وأهداف وطموحات معينة، بقدر ما أشعر بنوع من الغبطة والبهجة والفرح لحظة ولادة النصّ، فأنا أكتب النص نصّي، ولا أفكر فيما إذا سيتحقِّق ما أنثره فوق وجنة القصيدة ام لا، ما يهمني هو أنني مسرور ومنتعش في هذه العوالم الفسيحة، وهو عالم يسحرني ويجذبني ويخفف الكثير الكثير من أحزاني وهمومي وغربتي وهو الهدف الأسمى في حياتي! أي الكتابة ككتابة هي الهدف الأعمق حتى أكثر مما أكتبه، ثم أن هناك رؤى وتطلعات يكتبها كاتب ما ربما تتحقق بعد حين وربما تتحقق بعد قرون وربما لا تتحقق أبداً، لأن الكتابة حالة مشاعرية وتجليات راقية وليس بالضرورة أن تتحقق تطلعات وآفاق ما يبدعة الشاعر او الكاتب، وأجمل ما في الكتابة انها أعمق من الحياة التي نعيشها ومن الواقع لأنها تخرق الواقع وتخرق حتى المنطق لأنها تحلق فيما وراء الواقع لأنها من رحاب الخيال المبدع، ولكن الخيال قد يتحقق أيضا وقد لا يتحقق، لهذا فلا يخطر على بالي عندما أكتب نصوصي، أن تتحقَّق هذه الرؤى التي أنقشها فوق شهقة القصيدة، يهمني ان يستمتع المتلقي ويستفيد من النص بطريقة أو بأخرى حتى ولو كانت الفائدة لمجرد متعة قراءة النص!
عموماً أوافقكَ فيما تذهب إليه، وأؤكد لكَ أنه لو تحقّق ما تتصور فلم يعد للنص، السلام أعمق من البحار أي عمق بالمفهوم الذي جاء في متون القصيدة، لهذا تراني أهفو إلى عالم مزنّر بالفراشات وأريج الزيزفون بعيداً عن ضجر الحياة ..
اعتراف غير مسبوق
من الأخطاء التي ارتكبتها أنني لم أرافقكَ في الأيام الأخيرة من زيارتك إلى ستوكهولم، لكن وللأسف الشديد كنت مرتبطاً مع بعض الأصدقاء لحضور أمسية شعرية لأدونيس، ويا حبذا لو حضرت تلكَ الأمسية لأنه قرأ قصائده بالعربية وتم ترجمتها بشكل مباشر إلى السويدية،
تتراقص صورتكَ الآن أمامي وأنتَ تحاور والدي منذ قرابة ربع قرن، تحثّه كي يتكلّم بما لديه من مصطلحات أزخينية من تحت الدست من خلال قصصه ورجولاته .. وأنتَ تمسك قلمكَ وكلما يرد كلمة جديدة عليك تدونها وتطلب منه شرحها، إلى أن قال لكَ شو عم تعمل كل ما نحكي كلمة عم تكتبها خُما ما سرت علينا مخابرات، مليح مو نحكي بالسياسة! ضحكتَ وقلتَ له، أي عمو أي حكيك كو طيّب، أحكيلنا شوية على بيرمة آزخ!
بردت الشاي وبرد الأكل ولم يبرد الحوار! الجميل فيك يا صديقي أنكَ قلت في إحدى دردشاتي معكَ عبر الهاتف، أن ذلكَ الحوار وتلكَ المفردات التي أقتنصتها من والدي ما تزال مؤرشفة في آرشيفكَ، لهذا ومن هذا المنطلق أقول أن الكتابة هي متعة فائقة ونشوة لا يعادلها نشوة على وجه الدنيا لأننا نحافظ عليها بكل جوارحنا وروحنا حتى ولو كانت بسيطة عابرة لا تهم الغير، يكفي أنها تخلق لنا حالة انتعاشية تبهج القلب ..
إحدى اكبر أخطائي في الحياة، وهو أجمل خطأ ارتكبته في حياتي هو انني "بيتوتي" إلى درجة غريبة وعجيبة، فقد جاءني أكثر من دعوة من هولندة، ألمانيا، سويسرة، باريس، لندن سورية و... دعوات من أصدقاء وأهل وشعراء ومترجمين ، لكني اعتكفت في كهفي وصومعتي، في إحدى ضواحي ستوكهولم أكتب نصوصي بعيداً عن صخب الحياة، ومركّزاً على جنون هذا الزمن الأرعن، وعلى الفرح المتهاطل من بسمة طفل ومن نداوة وردة!
مع عميق مودتي وإحترامي
صبري يوسف ـ ستوكهولم
تنويه! هناك فكرة بل مخطط يراودني، وهو أن أمنح لنفسي إجازة طويلة كي أتوه في بقاع الدُّنيا أبحث عن مروجٍ جديدة لشهقةِ القصائد، أحضن الأحبة المبعثرين في هذا الكون الوسيع! وأنتَ يا صديقي ستكون إحدى المحطات الجميلة في رحاب رحلتي بين أحضان القصيدة!
|