أنشودة الحياة
[الجزء الأوّل]
( نصّ مفتوح )
4
بينَ الصُّقورِ والنَّعاماتِ
بعوضةٌ واحدة تتحدَّى أحصنةً
انهيارُ القيمِ في أغوارِ القاعِ
مدبَّقةٌ بقذاراتِ بقايا الصَّمغِ
تفرزُ طيفاً مِنَ الأوجاعِ
أكثرَ اشتعالاً مِنَ الجمرِ ..
آهٍ .. فقدَتِ اللغة حميميّاتها
خوفٌ متجَذِّرٌ في أرخبيلِ العمرِ
على امتدادِ الأوقيانوس ..
المعلَّقةِ على صدرِ الحياةِ
تهشَّمَتْ قبلَ أنْ تصلَ مجالَ الضَّجرِ
مسحةٌ مِنَ الحزنِ ارتسمَتْ
لَمْ يجدْ ابن آوى مكاناً لَهُ
أشواكٌ تنمو في ظلالِ الحلمِ ..
قبلَ أنْ تصلَ إلى قمّةِ هضبةٍ
قبلَ أنْ تلقي نظرةَ الوداعِ
تتصالبُ معَ أوصالِ اللَّيلِ
يباسٌ منبعثٌ مِنْ أحشاءِ السّنينِ
خرَّتْ مِنْ كَبَدِ السَّماءِ نجمتان
حضارةُ هذهِ الأيّام تمطرُ باروداً
سفينةُ اللَّيلِ ضلَّتْ طريقَهَا
ريحٌ تزلزلُ قاماتَ السّنديانِ
استنفرَتْ كائناتُ الدُّنيا
ابتسامةُ وليدٍ تخترقُ الكآباتِ
حنَنْتُ كثيراً إلى أيامِ البازِرْكانِ
آهٍ .. أين ولّت تلكَ الأيام؟
غبارٌ كثيفٌ بلعَ ضوءَ المصابيحِ!
طاحشةٌ على خصوبةِ الوجدانِ
سقطَتْ مركبةٌ مِنْ أقصى الأعالي
هلْ ارتطمَتْ بأوجاعِ السَّماءِ
أمْ تقيَّأَتها الكواكبُ مِنْ غيظِهَا
المستشرية فوقَ جبهةِ الأرضِ
السَّماءُ العالية لا تبدو عالية
تكادُ أنْ تخنقَ الشَّهيقَ المنبعثَ
عجباً أرى جراحاً فائرة ..
ارتطَمَتْ بِخيوطِ الشَّمسِ
فتناهى صداها إلى مسامعِ الرِّيحانِ
فوقَ قممِ الجبالِ المتهالكة
وانبثقَ مِنْ فاهِ النَّيزكِ صرخة
تريدُ أنْ تبلِّلَ ريقَهَا
كي تخفِّفَ مِنْ وَهجِ الإشتعالِ
انتصارُ الحقِّ في وجهِ الطغاةِ!
نعمةٌ هاطلة علينا من الأعالي
من مناطحاتِ أصحابِ النَّياشينِ
وَضْعُ حَدٍّ لعذاباتِ السّنين
جبابرةُ العصرِ تحني رقابَها
عبورٌ ولا كلَّ المعابر ..
خرقَ نفوذكَ مدارَ النُّجومِ
على حسابِ شهيقِ الرَّعيّةِ
تجرف أعلى القممِ إلى القاعِ
غير مكترث لأحزانِ العصافيرِ
يقبعُ فوقَ صحارى الرُّوحِ!
المفروش على مساحاتِ الجسدِ!
أكثرَ قتامةً من سوادِ اللَّيلِ
لغةٌ مفهرسة من وقائعِ الجنونِ
بعيدةٌ عن خصوبةِ الرُّوحِ
بعيدةٌ عن نسمةِ الصَّباحِ
ها قد تغَلْغَلَتِ الغرغرينة
أقصر من مسافاتِ خيوطِ الشَّمسِ
أقصر من جداولِ الدُّموعِ المترقرقة
فاتحاً صدره لأغصانِ الطُّفولة
فاتحاً ذراعيه لخصوبةِ الفكرِ
يستقبلُ افتتاحياتِ الحلمِ
راغباً أن يمسحَ جبالَ الأحزانِ
لماذا لا يتعلّمُ الإنسانُ
عندما رأوا دموعَ آبائِهِم
أنْ تشعرَ أنَّكَ خفيفٌ كالفراشةِ
نسيمٌ عليلٌ يبلسمُ وجهَ الشَّفقِ ..
يعني أنَّكَ تحملُ بينَ جناحيكَ
شفافيّةَ طفولةٍ مكلَّلةٍ بخصوبةِ الرُّوحِ
حضورَ تشييعِ جنازةِ أخيْهِ
صراعٌ يقودُكَ إلى أقصى المتاهاتِ
كأنّهُ مولود نعجة جرباء ..
أكبرَ مِنْ أنْ يهدرَ إنسانٌ
إنّه زمنُ تحوُّل الحضارة إلى رماد!
رسالةٌ مفتوحةٌ غير منقَّحة
وصلَتْ خطأً إلى شقيقٍ مهمومٍ
رماحٌ غارقةٌ في السُّمومِ
تهطلُ فوقَ جفونِ المدائنِ ..
متاريسُ العالمِ لا تقي نقاوةَ الرُّوحِ
خفَّفَتِ الأغاني جزءاً غيرَ يسيرٍ
مسحَتْ أحزانَ الليلِ والنَّهارِ!
جلسَ كئيباً بجانبِ النَّهرِ
تفرشُ على صدرِهِ طراوةَ العشبِ!
يبني بيوتاً مِنَ الطِّينِ
يذكِّرني خبزُ التنّورِ بأمّي
يذكِّرني بطفولتي المتلألئة
هَلْ ثمَّةَ شطآنٍ مكثَّفةٍ بالحبِّ
تستطيعُ أنْ تقتلعَ هذهِ الكآبة
النابتة حولَ ظلالِ القلبِ
المفروشة على امتدادِ شهيقِ الرُّوحِ!
ضجرٌ مِنْ تراكماتِ الإنتظارِ
تزمجرُ دائماً شاشات التلفاز
تزوِّدني بأخبارِ المهابيلِ
أن تحجظَ عيناكَ في وجهِهِ
تزدادُ ارتفاعاً وانخفاضاً
تكتظُّ فيها كقطيعِ الجواميسِ
إنَّه فعلاً مِنَ المنـزلقين