مقتطفات سياسية. بقلم فؤاد زاديكى
ألف مبروووك لمن يعتقد بصحّة هذا الدّين أو ذاك فيدخل فيه، او يتركه فهذا شأنه وليس شأنًا للآخرين. يجب أن يكون اعتناق أي دين عن قناعة شخصية وفهم عميق وإيمان أكيد. كلّنا توارثنا أدياننا عن آبائنا وإجدادنا لهذا كانت دون اختيارنا الذّاتي، أمّا وبعد أن نعي ونفهم ونستطيع التمييز والقرار لا يجب أن نتوانى لحظة عن الإعلان عن هذا القرار فإمّا البقاء على هذا الدّين أو ذاك أو تركه، فالدّين علاقة بين الشخص وربّه لا علاقة لأيّ أحد به وكلّ شخص مسؤول عن نفسه وعن قراره وليس من حقّه أن يُحاسبَ الآخرين متى اتّخذوا قرارًا من هذا النّوع بحياتهم. ليس من حقّ أيّ إنسان لومه أو تعييره أو نقده، لأنّ هذا يُعتبَر تدخّلًا سافِرًا في شأنٍ لا يعنيه، كما هو في الوقت نفسه تعدّ وتجاوز للحقوق، فحرّيتك تنتهي عندما تبدأ حرّية الآخرين.
هناك ظاهرة ألاحظ انتشارها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بشكل واسع وسريع، وقد يغلب عليها طابع الهجوم على الشخص الذي يغيّر دينه، وكأنّ الحياة كلّها متعلّقة أو واقفة على هذا الجانب الوحيد دون غيره، أو أنّ هذا الدّين او ذاك سوف تهتزّ أركانه وتتخلخل موازينه بمجرد أن يتركه شخص ما أو أنّ الدّين الجديد الذي سيدخل فيه، يزداد مقامًا ورفعةً وعلوًّا، فجميع هذه الحالات لن تؤثّر لا على هذا الدّين ولا على ذاك الدّين، نحن لا نرى مثل هذا في بلاد الغرب حتى لو ترك المسيحية عشرات ودخلوا في دين آخر، هم لا يعنيهم هذا الأمر أو الموضوع لأنّه شخصيّ بحت أمّا نحن في هذه المجتمعات فأمرنا غريب، عجيب نصفّق لمن يدخل في ديننا و نشتم ونتهجّم على ذاك الذي يترك ديننا ويدخل في دين آخر
نحن بحاجة إلى مزيد من الوعي والفهم المعرفي للحياة. لنا حقوق وعلينا واجبات ليس أكثر من هذا، لذا لا يجب أن نحشر أنوفنا في ما لا يخصّنا أو يعنينا. كلّ إنسان مسؤول عن قراره في الحياة وعن نفسه ولا أحد يُحاسَب عن الآخر
كتبت هذا المنشور لدى قراءتي خبر ترك الممثّل السوري أويس مخللاتي الإسلام واعتناقه المسيحية، ماذا في هذه الحال؟ هل هو اختراع قنبلة؟ نحن كشرقيين نسير بعواطفنا على العموم دون عقولنا. أويس حرّ بقراره وهو الوحيد المسؤول عنه إنْ كان هذا القرار صحيحًا أو غير صحيح، وليس أحدٌ سواه.
اغتيال رئيس أركان حزب الله هيثم الطبطائي اليوم في غارة على الضاحية الجنوبية، وما يزال حزب الله يعيش حالة إنكار وهو يشعر بعجز مطلق وتامّ أمام إسرائيل. كلّ قيادات حزب الله في لبنان مكشوفون أمام إسرائيل وهي تعلم بحركاته وأماكن تواجدهم وهذا دليل آخر على مدى ضعف حزب الله وعجزه حتى عن حماية قياداته فكيف يحاول الادّعاء بأنّ سلاحه يحمي لبنان؟ لقد سقطت هذه المقولة وثبت عدم جدواها إن لم نقل فشلها.
خامنئي يدعو الشعب الإيراني إلى عدم الإسراف في الطعام وقبل عدة ايام صرّح الرئيس الإيراني أن طهران كعاصمة تعاني فقرًا شديدًا في المياه وأنّ النظام يفكّر في جعل مدينة أخرى عاصمة للدولة. كلّ هذا مع انحدار خط الفقر بشدّة وارتفاع معدل التضخم إلى ٥٠ بالمائة فإنّ نظام الملالي لا يهتم بتحسين مستوى معيشة مواطنيه بل يصرف المليارات على تسليح ميليشياته المسلّحة وصرف الأموال الطاولة على البرنامجين الصاروخ والنووي فأيّ نظام هذا؟ العقوبات الأمريكية على إيران فعلت مفعولها واليوم تأتي العقوبات من الاتحاد الأوروبي أيضًا فهل سيستطيع هذا النظام الاستمرار مع كلّ هذه الأوضاع خاصة مع ارتفاع حدّة نقمة الشعب وغضبه من المعيشة؟
__________________
لم تتغيّر الصورة في سورية كثيرًا فأحمد الشرع وتمامًا كما كان يفعل حافظ وبشار هو يطلب من الشعب السوري النزول إلى الشوارع احتفالًا بمعركة التحرير كما أسماها، ولا أحد يعرف أيّ تحرير كان ذلك، وقد صار الشعب السوري يعيش في سجن كبير خاصّة الأقليات، التي تتعرّض من وقت لآخر لتعديات وعنف وقتل واغتيالات وسبي وغزو وعمليات اختطاف بحجج واهية. لم يعد بالإمكان الضحك على عقول الناس كالسابق، فهناك صحوة وطنية واعية تعلم كلّ ما يجري في سورية. الصورة تتكرّر مجدّدًا، و نرى كيف يحاول الإعلام الخليجي والعربي عمومًا تلميع صورة الشرع ونظامه والمغالاة في إظهار الإيجابيات (إن وُجدَت) وإغفال السلبيات بشكل تامّ وكامل وهي كثيرة.
كانوا يُجبروننا في المدارس على النّزول إلى الشوارع في يوم محدد ثم تقول وسائل إعلامه إنّ الناس خرجت طواعية وعفويًا إلى الشوارع لتعبّر عن رأيها يا له من بؤس!.
يتوهّم كثيرًا كلّ مَنْ يظنّ بأنّ أحمد الشّرع وجبهة النّصرة هما مَن أسقطا نظام الأسد، فالحقيقة هي غير ذلك. لقد حصل اتّفاق وتوافق بين أمريكا وروسيا من جهة أساسية وإسرائيل وتركيا بموافقة خليجية وعربية على تحقيق ذلك، أي بوجوب تغيير النّظام، فصارت كلّ تلك المسرحية وتسمّت بالثّورة، مفهوم الثورة يختلف اختلافًا كلّيًا عمّا حصل وما يزال يحصل في سوريا اليوم. الذي تغيّر في حقيقة الأمر هو الأشخاص فقط، فجماعة الشرع بالكثير من انتهاكاتها تُعيدنا إلى تلك الأيامِ.
ما يجري في سوريا اليوم يأخذ منحى تصفيات للأقليات العلوية والدرزية والمسيحية بصور مختلفة وتحت أعذار و مسمّيات كثيرة منها فلول النّظام ومنها عملاء إسرائيل وغير ذلك من تسميات شيطانية يخترعها قادة الحكم الجديد كما كان يفعل النظام تحت تسميات المعارضة والطابور الخامس والخونة والعملاء الخ....
في ما سُمّي بيوم التّحرير خطب الجولاني في الحضور من مسجد بني أمية (كنيسة مار يوحنا المعمدان سابقًا) يدعو إلى الخلافة الإسلامية من خلال استهلال وإعادة للخطبة التي ألقاها ابو بكر الصديق في المسلمين وهو يطالبهم بإطاعته كما هو يٌطيع الله، بنفس الكلمات والإسلوب والمعنى طلع علينا الجولاني في خطابه ذاك، فهل يمكن أن يكون هذا رئيسًا للعلويين والدروز والكرد والمسيحيين على اختلاف طوائفهم؟ أم أنّه يسعى لفرض الجزية عليهم واعتبارهم أهل ذمّة؟ وهل مثل هكذا سلوك وتفكير يمكن أن يكون رئيسًا لكلّ السوريين او ان يبني دولة عصرية؟ أسئلة ينبغي أن يُجيب عليها الجولاني ومنَ يُصفّق و يزمّر له
__________________
نفس المظاهر الاحتفالية الكاذبة والمصطنعة، التي كُنّا نشاهدها أيام حكم الأسدين، ها هي تتكرّر وبنفس الأساليب. فقط تغيّرت الأسماء. الله يعين الشعب السوري، كلّ ما نراه لا يتعدّى كونه أكثر من تَلميع صورة وتَسويق سمعة، والشّعب غائب تمامًا عن كلّ حضور، لأنّ الحاضرين هم المُطبّلون والمُزمّرون والمَدفوع لهم أيّ المأجورون.
الأنظمة الحاكمة السابقة الفاسدة الشّمولية، غرست في أذهان الشعوب فكرة وجوب تأليه القادة والحكّام وهذا ما يحصل تمامًا اليوم في سورية كما كان يحصل سابقًا.
نفس العبارات والاتهامات التي كان يسوقها نظام الأسد باتهام كلّ معارض له بالإرهاب. اليوم يتّهم نظام أحمد الشرع المعارضين ليطلق عليهم عبارة فلول النظام يا سبحان الله
وجهان لعملة واحدة هي النظام الشّمولي.
لقد أصبح اليمن اليوم ثلاثة يُمُن والسودان سودانين وانقسمت ليبيا إلى أكثر من ليبيا واحدة وسوريا مهدّدة بالتّقسيم والعراق مقسّم طائفيًا ولبنان لا يملك قراره السياسي الحرّ وتونس تعاني من انشقاقات خطيرة في المجتمع ومصر هي الأخرى يظهر فيها انقسام من نوع آخر هو هكذا من أيام عمرو ابن العاصّ، فأين هو العالم العربي الذي يُحدّثوننا عنه؟ وهل جامعة الدول العربية هي جامعة أم فارِقة مُفَرّقة لأنّها خاضعة لإملاءات دولتين عربيتين لا أكثر هما مصر والسعودية؟
أسئلة تستحقّ أن تُطرحَ لكنْ لن تكون عليها إجابة صادقة وصريحة. فالعالم العربي يعيش اليوم أسوأ حالاته بضعفه وعدم قدرته على اتّخاذ أيّة قرارات حاسمة لأنّ بلدانه لا تملك قرارها الذاتي إلّا بالاسم فقط فهي خاضعة لإملاءات الدول الكبرى كأمريكا وغيرها.
__________________
fouad.hanna@online.de
|