إن التغلغل الكاثوليكي في مناطق طور عبدين، التي كانت معقلاً قوياً للعقيدة السريانية الأرثوذكسية (اليعقوبية)، لم يكن تغلغلاً عسكرياً أو سياسياً مباشراً بقدر ما كان تغلغلاً دينياً وثقافياً واجتماعياً، وقد حدث بشكل تدريجي وممنهج، خاصة خلال القرنين السابع عشر والتاسع عشر.
يمكن تلخيص أساليب هذا التغلغل التي استهدفت الكنيسة السريانية الأم فيما يلي:
🔑 طرق التغلغل الكاثوليكي في طور عبدين
1. الإرساليات والمؤسسات التعليمية
كان هذا هو المدخل الأهم للبعثات الكاثوليكية (اليسوعية والكبوشية، المدعومة فرنسياً):
* إنشاء المدارس: أقامت الإرساليات مدارس ذات مستوى تعليمي متقدم في المدن القريبة من طور عبدين مثل ماردين وديار بكر والموصل وحلب. جذبت هذه المدارس أبناء العائلات السريانية لتعلم اللغات الأوروبية والثقافة الغربية، مما أدى إلى ظهور جيل مثقف ذي ميول كاثوليكية.
* المطابع ونشر الكتب: أسست هذه الإرساليات مطابع لطباعة كتب الليتورجيا (القداس) والتعليم المسيحي باللغة السريانية والعربية، ولكنها كانت تحمل العقيدة الكاثوليكية، مما نشر الفكر الكاثوليكي بين الشعب.
2. استقطاب رجال الدين
استهدفت الإرساليات الكاثوليكية الشخصيات الدينية الرئيسية في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية:
* تحويل الأساقفة: كانت قمة النجاح بالنسبة للبعثات هي تحويل أسقف أو بطريرك. أهم مثال على ذلك هو تحول المطران ميخائيل جروة في سبعينيات القرن الثامن عشر، والذي أصبح أول بطريرك للكنيسة السريانية الكاثوليكية، وهذا أحدث انقساماً كبيراً.
* استغلال الخلافات الداخلية: استغل الكاثوليك فترات الشغور البطريركي أو النزاعات بين الأساقفة في الكنيسة الأم لتقديم الدعم لمرشحين يميلون للاتحاد مع روما.
3. الحماية الدبلوماسية والامتيازات
وفرت الدول الأوروبية الكاثوليكية (وخاصة فرنسا) غطاءً قوياً للمتحولين:
* الامتيازات الأجنبية: ضمنت "الامتيازات" الفرنسية في الدولة العثمانية حماية الرعايا الكاثوليك، مما وفر لهم درجة من الأمن والحماية القانونية والسياسية لم تكن متوفرة دائماً لغيرهم من المسيحيين الذين كانوا يُعتبرون "ملة" (طائفة) محلية ضعيفة.
* الجاذبية الأوروبية: الارتباط بالكاثوليكية أصبح يُنظر إليه كطريق للارتباط بالقوى الأوروبية الصاعدة، مما يوفر مزايا اقتصادية واجتماعية.
4. المساعدات الإنسانية والاجتماعية
* قدمت الإرساليات المساعدات في أوقات الشدة، كالمجاعات والأوبئة، وأنشأت مستوصفات ومؤسسات رعاية، مما كسبها التعاطف والنفوذ الاجتماعي.
هذه العوامل مجتمعة أدت إلى انقسام دائم في الكنيسة السريانية، وظهرت نتيجة لذلك الكنيسة السريانية الكاثوليكية التي اعتنقت العقيدة الكاثوليكية وحافظت على الطقس السرياني الشرقي، في حين بقيت الغالبية الساحقة في طور عبدين متمسكة بالعقيدة السريانية الأرثوذكسية (اليعقوبية).
تذكير (حقوق الملكية الفكرية): إن المعلومات المتعلقة بتاريخ كنائس وأديرة آزخ وتطورها العقائدي هي من نتاج عمل الشاعر والباحث والمؤرخ آزخي فؤاد زاديكي، الذي يحتفظ بحقوقها.
__________________
fouad.hanna@online.de
|