مشاركتي على فقرة الخاطرة عشق الياسمين من إعداد وتقديم الاستاذتين سميا دلالي و هيام ال
مشاركتي على فقرة الخاطرة عشق الياسمين من إعداد وتقديم الاستاذتين سميا دلالي و هيام الملوحي في منتدى نبض القلم للشعر و الأدب
🤍 عِشْقُ الْيَاسَمِينِ 🤍 كَانَتْ حَيَاتِي قَبْلَ لِقَائِهِ كَالْصَّحْرَاءِ الْجَرْدَاءِ، لَا يَشُقُّ سُكُونَهَا سِوَى صَرِيرِ الرِّيَاحِ الْعَابِرَةِ. قَلْبِي بَائِرٌ، مُغْلَقٌ عَلَيْهِ بِأَقْفَالٍ مِنْ نُحَاسٍ صَدِئٍ. وَكَانَ هُوَ... الْيَاسَمِينُ!
جَاءَ بِيَوْمٍ لَمْ أَكُنْ أَنْتَظِرُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَمْ أَكُنْ أَحْلُمُ بِغَيْرِ الرَّمَادِ. لَمْ يَكُنْ كَالْوُرُودِ الْحَمْرَاءِ الصَّارِخَةِ بِالْجَمَالِ الْفَائِقِ. بَلْ جَاءَ كَزَهْرَةِ يَاسَمِينٍ بَيْضَاءَ، صَغِيرَةٍ وَمُتَوَاضِعَةٍ، حَامِلَةً مَعَهَا عِطْرَ الْبَرَاءَةِ وَالسَّلَامِ.
اِنْبَثَقَتْ رَائِحَتُهُ الْهَادِئَةُ لِتَغْمُرَ جَمِيعَ مَسَامِّ الرُّوحِ. لَمْ تَكُنْ رَائِحَةً تُشِعُّ لِلْخَارِجِ فَقَطْ، بَلْ تَغَلْغَلَتْ إِلَى الْدَّاخِلِ لِتُضِيءَ تِلْكَ الْبُقَعَ الْدَّاكِنَةَ الَّتِي ظَنَنْتُهَا لَنْ تَرَى النُّورَ أَبَدًا. شَيْئًا فَشَيْئًا، بَدَأَتْ تِلْكَ الْأَقْفَالُ تَتَهَاوَى، لَا بِقُوَّةِ الْفَأْسِ، بَلْ بِرِقَّةِ النَّدَى عَلَى صَفِيحَةٍ بَالِيَةٍ.
عَلَّمَنِي الْيَاسَمِينُ كَيْفَ يَكُونُ الْعِشْقُ نَقِيًّا؛ عِشْقًا لَا يَلْتَمِسُ الْأَضْوَاءَ الْكَاشِفَةَ، بَلْ يَنْبُعُ مِنْ هَمْسٍ خَفِيٍّ فِي اللَّيَالِي الْصَّيْفِيَّةِ الْقَمْرَاء. عِشْقٌ يُزَيِّنُ الْحَيَاةَ، لَا يُضِيفُ إِلَيْهَا الْفَوْضَى. هُوَ لُغَةُ الْسُّكُونِ الَّتِي لَمْ أَكُنْ أُجِيدُهَا.
فِي حُضُورِهِ، أَشْعُرُ بِأَنَّنِي شَجَرَةٌ عَطْشَى عَادَتْ إِلَيْهَا الْحَيَاةُ بَعْدَ جَفَافٍ طَوِيلٍ. كُلُّ وَرَقَةٍ تَرْجِعُ إِلَيْهَا خُضْرَتُهَا، وَكُلُّ غُصْنٍ مَيْتٍ يَعُودُ فِيهِ النَّبْضُ. هُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يَعْقُبُ الْجَدْبَ، وَالْإِشْرَاقُ الَّذِي يَلِي الْعَتْمَةَ.
هُنَاكَ سِرٌّ فِي بَيَاضِ الْيَاسَمِينِ يَتَجَاوَزُ مُجَرَّدَ اللَّوْنِ؛ إِنَّهُ صَفَاءُ النَّفْسِ الَّذِي كُنْتُ أَفْتَقِدُهُ. هُوَ مُنَاسِبٌ لِحَالَةِ الْهُدُوءِ الْعَمِيقَةِ، وَلَيْسَ لِلْعَوَاصِفِ الَّتِي كُنْتُ مُعْتَادًا عَلَيْهَا. فِي قَلْبِ هَذَا الْعِشْقِ، وَجَدْتُ نَفْسِي. لَمْ يَكُنِ الْعِشْقُ هُوَ الْمُكْتَشَفَ، بَلْ كُنْتُ أَنَا.
أَصْبَحَ الْيَاسَمِينُ لِي كَالْصَّلَاةِ، طَقْسًا مُقَدَّسًا لَا يُمْكِنُ الْاِسْتِغْنَاءُ عَنْهُ. إِذَا سَأَلُونِي يَوْمًا عَنْ أَوْضَحِ صُوَرِ الْحُبِّ، لَنْ أُجِيبَ بِقِصَّةٍ، بَلْ سَأَقُولُ: "رَائِحَةُ الْيَاسَمِينِ".
فِي كُلِّ مَسَاءٍ، وَحِينَ يَخْلُو الْجَوُّ مِنْ الضَّجِيجِ، يَتَفَتَّحُ عِشْقِي لَهُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ. عِشْقُ الْيَاسَمِينِ لَيْسَ اِنْفِعَالًا عَابِرًا، بَلْ حَالَةُ وُجُودٍ. هُوَ كُلُّ شَيْءٍ لِي.
فُؤَاد زَادِيكِي
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 07-12-2025 الساعة 03:42 AM
|