عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 25-11-2025, 06:23 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,479
افتراضي

سؤالك في غاية الأهمية، وهو بالفعل من أكثر المواضع التي أربكت الباحثين لأن المصادر القديمة أحيانًا تُظهر ازدواجية في دور قلعة فنك:
من جهة تُنسب للأكراد البشنوية (وهم في الأصل قبائل رعوية – شبه بدوية)
ومن جهة أخرى تُذكر في المصادر السريانية كـ عاصمة أبرشية بيت زبداي ومركز النشاط المسيحي.

كيف يمكن الجمع بين هذين الدورين؟
الجواب: ليس هناك تناقض إذا فهمنا طبيعة المنطقة ونمط الحكم فيها في القرون الوسطى.

سأشرح لك هذا بوضوح:


---

أولا: لم تكن القبائل الكردية “بدوية خالصة”

مصطلح “بدوية” الذي يظهر في بعض المصادر لا يعني أنهم مثل بدو الصحراء.
الأكراد البشنويّة كانوا:

▪ قبائل رعي موسمية (transhumance)
▪ تعتمد على التنقل بين المراعي
▪ لكنها كانت تسيطر على قلاع ثابتة ومراكز استراتيجية.

امتلاك القلعة والمراعي معًا كان أمرًا طبيعيًا في الأناضول وكردستان في القرون الوسطى.
فالقبيلة تتنقل بالرعي، لكن الحكم والسيادة تتم من القلاع.

هذا تمامًا مثل:
الدويلات التركمانية (مثل آق قوينلو وكرا قوينلو) – قبائل رعوية لكن لديها عواصم وقلاع.
القبائل الكردية الهكّارية والبوتانية – رعاة ولهم إمارات وقلاع.

إذن: فنك قلعة ثابتة لقبيلة ذات نمط حياة شبه بدوي وليست مستوطنة بدوية.


---

ثانياً: بيت زبداي (آزخ) كانت منطقة مسيحية – لكن بلا حصن مركزي قوي

بيت زبداي / بيث زبداي منطقة سريانية تاريخية، تضم قرى مسيحية وكنائس وأديرة.
لكنها لم تكن كلها مُحصّنة.

عندما تحتاج الأبرشية إلى مركز إداري أو دفاعي، فإنها تختار:

✔ قلعة شديدة الحصانة
✔ على نهر
✔ تتحكم بالمنطقة
✔ قريبة من القرى المسيحية

وفنك تمتلك كل هذه الصفات.

لذلك استخدمت الكنيسة القلعة كمركز أبرشي حتى لو كان الحكام من الأكراد.

يشبه ذلك ما حدث في:

قلعة العمادية: يحكمها أمراء أكراد، ومع ذلك هي مركز مسيحي تاريخي.

هكّاري: إمارة كردية وفيها عشرات الأديرة المسيحية.

جبال طور عابدين: مسيحيو ومسلِمو المنطقة استخدموا نفس الحصون.


فالعلاقة لم تكن صراعًا دائمًا بل تعايشًا إداريًا.


---

ثالثاً: موقع فنك يفسّر لماذا صارت “عاصمة بيت زبداي الروحية”

فنك تقع:

▪ على مرتفع صخري
▪ قرب دجلة
▪ في قلب منطقة القرى السريانية (بيت زبداي)
▪ على خط دفاع طبيعي

لذلك اختارتها الكنيسة كـ مقر أبرشية بيث زبداي، وسابقًا كانت تُسمى:

قسطر د-بيث زبداي
أي: حصن بيت زبداي
ولكن هذا الاسم يصف الدور الديني، لا أنه الاسم الأصلي للقلعة.

أي أن الكنيسة اعتبرت فنك الحصن الرسمي لبيت زبداي رغم أن القلعة نفسها كانت بيد البشنويّة.


---

رابعاً: العلاقة بين الكنيسة والحكام الأكراد لم تكن عدائية دائماً

تاريخ طور عابدين مليء بالشواهد على:

✔ اتفاقات حماية
✔ ضرائب أمن وحراسة
✔ مشاركة القلاع بين الحكام المسلمين والمسيحيين
✔ زيارات أساقفة لأمراء كرد
✔ حياة مشتركة في نفس المنطقة

لهذا لم يكن غريبًا أن تكون قلعة فنك (الخاضعة للبشنويّة) مركزًا كنسيًا لبيت زبداي.


---

خلاصة واضحة

قلعة فنك كانت قلعة كردية شبه عشائرية، ولكنها كانت أيضاً القلعة الأقوى والأهم في المنطقة.
لذلك استخدمتها الكنيسة السريانية كمركز لأبرشية بيت زبداي، حتى لو كان الحكّام أكراداً شبه بدويين.

هذا ليس تناقضًا، بل نموذج طبيعي في التاريخ المحلي للجزيرة وطوره عابدين، حيث:

القبيلة تحكم،
والقلعة تحمي،
والكنيسة تدير الشؤون الروحية من داخل القلعة أو بجوارها.


---

إذا ترغب، يمكنني أن أضع لك:

✔ خريطة تقريبية لمواقع القلاع والقرى المسيحية في بيت زبداي
✔ أو تلخيصاً للمصادر السريانية التي ذكرت فنك كـ “قسطر بيت زبداي”
✔ أو تحليلاً تاريخياً للعلاقات بين البشنوية والمسيحيين في تلك المنطقة

اخبرني ما الذي تفضّله.
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس