حسناً — سأعطيك هنا صورة مفصّلة ومدعّمة بالمصادر عمّا جرى فعلاً بعد سقوط بيت زبداي: كم
حسناً — سأعطيك هنا صورة مفصّلة ومدعّمة بالمصادر عمّا جرى فعلاً بعد سقوط بيت زبداي: كم قيل إنّه اُخذ، أين نُقلوا (أو أُستُقِرّوا)، وما الذي حلّ بمَن بقي أو بحلولهم في أماكن فارسية. سأتميّز بين ما تفيد به النصوص السريانية/الهاغيوغرافية (الراوية التقليدية) وما تؤكّده الدراسات التاريخية الحديثة (عن سياسة الترحيل الساسانية وأثرها). حيثما كانت الأرقام أو التفاصيل غير مؤكّدة أصرّح بذلك بصراحة.
1) كم عدد الذين أُخذوا من بيت زبداي؟ — الحقيقة: لا رقم موثوق واحد
في الرواية الهاغيوغرافية التقليدية عن «أسارى بيت زبداي» ترد إشارات إلى أسر جماعي وكبير، وفي بعض التقاليد العدد يُقدَّر بأرقامٍ كبيرة (تجري ذكر أرقامٍ تراثية مثل «٩٠٠٠» في بعض النسخ/التقارير الشعبية). لكن المصادر الأكاديمية الحديثة تحذّر من قبول مثل هذه الأرقام حرفياً: النصوص الهاغيوغرافية تميل للمبالغة الرمزية أو البلاغية ولا تأتي دائماً بإحصاء دقيق.
خلاصة مدقّقة: لا يوجد رقم إحصائي موثوق وموحّد في المصادر الأصلية؛ أفضل ما نقدر قوله هو أن الأسر كان «أعداداً كبيرة» من سكان البلدة (رجالاً ونساءً وأطفالاً)، وأن رواتها لاحقاً عزّزت فكرة وقوع حدث جماعي كبير.
2) إلى أين نُقلوا؟ (وجهات الترحيل) — ما تقوله المصادر والتاريخ السياسي
النصّ السرياني/الهاغيوغرافي يذكر ببساطة «أُخذوا إلى بلاد فارس / سُوقوا داخل الإمبراطورية» وغالباً يذكر مواطن شرقِية عامة مثل بيت هوزاي / Beth Huzaye أو مناطق داخل إيلام/خوزستان كوجهة لمسير الأسرى. أيضاً في تراجم وشرح المقطع تُذكر مسيرات طويلة حتى مناطق داخلية. (ملاحظة: بعض النسخ تذكر «Bet Huzaye» كمنطقة مقصودة).
السياق الإمبراطوري: شاپور الثاني كان يمارس سياسة ترحيلٍ منظّمة للأسرى والمهجّرين من الحدود إلى داخل الإمبراطورية للاستفادة منهم كعمال مهرة، لتوسيع قواعد إدارته، ولتغيير التركيبة السكانية في مناطق حسّاسة. دراسات تاريخية عامة عن «الترحيلات (deportations)» في الإمبراطورية الساسانية توضح أن الأسرى من نواحي الرومان (وخاصة من المناطق الحدّية) كانوا يُنقلون إلى مراكز صناعية/زراعية داخل بلاد الفُرس (مثل مناطق خوزستان، بغية استصلاح الأراضي، أو نقل حرفيين إلى مصانع بلاطات ومناجم). لذلك ما يُذكر في السرد السرياني يتماشى مع سياسة معروفة تاريخياً.
أما مواقع بعينها التي ذُكِرت في نصوص ترجمات أو شروح لاحقة: أحياناً يُذكر اسم قرية أو موضع (مثل دسکراتا موضع وفاة الأسقف على الطريق)، واسم محطّة نهائية عامّة «بيت هوزاي / Beth Huzaye» أو مناطق أعمق في الساسانيّة، لكن لا توجد قائمة مفصّلة وموثوقة بأسماء المدن الفارسية التي استُقِرّ فيها أسرى بيت زبداي.
3) هل حُلّ محلّهم سكان من مناطق فارسية؟ — ما الذي عُمل فعلاً في بيت زبداي بعد السبيّ؟
نظريّة الإحلال / إعادة التسكين: الساسانيّين في فترات كثيرة نقلوا سكّاناً من مكان إلى آخر وأعادوا تسكين أراضي مخلّفة بأهالي آخرين أو بمرتّبَة من مُستوطَنين. هذا يظهر في مصادر عامة (مثلاً ترحيل شعوب من أرمينيا إلى داخل إيران أو نقل حرفيين إلى قندشاپور) لكن لا يوجد دليل مباشر وواضح في نصوصنا عن أنّه أُدخل سكان فارسيّون محدّدون ليحلّوا محلّ سكان بيت زبداي تحديدًا. بمعنى: السياسة عامة موجودة، لكن الدليل العيني على إحلالٍ ديمغرافي في بيت زبداي غير مؤكد.
ما يُحتمل استناداً إلى الممارسة الساسانية: إما
تُركت المدينة شبه خاوية لفترة — مع استغلال أراضيها (مزارع، موارد) من قبل سلطات محلية أو ضباط؛ أو
أعاد حكّام محليون توطين جماعات جديدة (خريجو ترحيل من مناطق أخرى أو أسرى تمّ تحويلهم إلى مستوطنين)؛ أو
غُسلت ديموغرافياً تدريجياً عبر هجْرة متجددة — لكن لا دليل مباشر قاطع على أيِّ من السيناريوهات الخاصة ببيت زبداي في سجلاتنا الحالية.
4) ماذا حدث للأسرى بعد نقلهم؟ (التجربة اليومية والدينية)
حكايات الشهادة/الاستشهاد: النصوص السريانية الهاغيوغرافية (مثل «Martyrdom of the Captives of Beth Zabdai») تصور أن عدداً من الأسرى تمّ إخضاعهم لضغوط دينية، وبعضهم استُشهد لأجل إيمانه في بلاد فارس، وآخرون صمدوا أو تحوّلوا، وثالثون اندمجوا أو اضطُرّوا للتماهي مؤقتاً. هذا النوع من السرد يهدف إلى إبراز الصمود والشهادة؛ لذلك يُؤكَّد وجود استشهادات لكن نسبة الذين استشهدوا مقارنة بمن نُقلوا تبقى مسألة غير قابلة للقياس بدقة من النصوص.
الاستخدام الاقتصادي: من الجوانب التاريخية المتكررة أن الأسرى استُخدموا كقوّة عمل — حرفيون، بناء، زراعة. شاپور استخدم أسرى من الممالك المحتلّة لتطوير مراكز مثل قندشاپور (Beth Lapat / Gondeshapur). لذا من المحتمل أن جزءاً من أسرى بيت زبداي أُحيل إلى أعمال مماثلة داخل المدن الفارسية.
الاندماج والكنيسة: مع مرور الزمن بعض الأسرى أو ذراريهم اندمجوا في البُنى المسيحية شرق الفرات. فعلى مستوى الكنيسة الشرقية لاحقاً نجد تطوّرًا وإرساءً لأبرشيات في مناطق داخل الإمبراطورية الساسانية (Beth Huzaye، Jundishapur،... إلخ) ما يعني أنّ المجتمع المسيحي داخل فارس استوعب ولاحقًا أعاد تشكيل نفسه؛ ولكن هذا تطوّر طويل الأمد لا يدلّ بالضرورة على سير عملية بيت زبداي مباشرة.
5) نقاط تاريخية نقدية — ما يمكن اعتباره مؤكدًا وما ينبغي الحذر بشأنه
مؤكد تاريخياً: بيت زبداي سقطت في حملات شابور الثاني، وكان هناك أسرٌ جماعي ونصوص هاغيوغرافية تحكي عن مسيرة الأسرى وشهادات بعضهم. كما أن سياسة ترحيل الأسرى و«الاستفادة» منهم داخل بلاد فارس سياسة مسجلة تاريخياً.
غير مؤكد/مبالغ فيه غالباً: الأرقام الكبيرة (مثل 9000) التي ترد متواترة في تقاليد لاحقة قد تكون رمزية أو مبالغة؛ لا يوجد إحصاء أميركي/ساساني مستقل يؤكدها حرفياً.
وجهات دقيقة والتوزيع السكّاني بعد السبي: المصادر الهاغيوغرافية لا تعطي لوائح أسماء قاطنة بالأماكن الفارسية؛ لذلك أيّ ادّعاءٍ بتفاصيلٍ دقيقة عن مدنٍ بعينها أو قوائم أسماء هو افتراضٌ أو إعادة تركيب من مؤرّخين لاحقين.
6) مراجع
__________________
fouad.hanna@online.de
|