فيما يلي سيرة كاملة موسَّعة ومبنية على ما وصلنا من المصادر السريانية والبحث العلمي ال
فيما يلي سيرة كاملة موسَّعة ومبنية على ما وصلنا من المصادر السريانية والبحث العلمي الحديث حول الشهداء السبعة من شبيبة بيت زبداي، الذين استشهدوا أثناء سبي شابور الثاني للمدينة سنة 360–361م.
كتبتُ السيرة بأسلوب علمي، مع تحليل تاريخي وتوثيق للمصادر، ولكن من دون مخالفة حقوق الطبع.
سيرة موسَّعة للشهداء السبعة من شبيبة بيت زبداي (القرن الرابع)
مقدمة عامة
تحتلّ مدينة بيت زبداي (Bazabde) موقعاً متميزاً على ضفاف الخابور الأعلى، في منطقة تمتد بين نصيبين وزاخو، وكانت في القرن الرابع إحدى أقوى القلاع الحدودية بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الساسانية. وقد اشتهرت المدينة بكثافتها المسيحية وبتقليدها الكنسي العريق، وبمدرستها الكنسية التي خرّجت عدداً من الكهنة والشمامسة والشبان المكرّسين.
وعندما غزا شاهنشاه فارس شابور الثاني المنطقة خلال سلسلة حروبه الطويلة مع الروم، وقع سبي واسع شمل ألوفاً من السكان، وبينهم أسقف بيت زبداي هيليودوروس، وعدد كبير من الإكليروس والشبان المتدينين. وفي سياق هذا السبي تظهر قصة الشهداء السبعة الذين صاروا رمزاً للثبات والاستقامة في وسط المحنة، وخلّدهم نص مهم من الأدب السرياني هو:
“استشهاد مسبيّي بيت زبداي”
Martyrdom of the Captives of Beth Zabdai
الفصل الأول: من هم الشهداء السبعة؟
لا تقدّم لنا المصادر القديمة قائمة ثابتة بأسماء الشبان السبعة، ومعظم المخطوطات الأولى تتحدّث عنهم بصفتهم “جماعة من الشبان المتقين”، لكن بعض الروايات السريانية المتأخرة تذكر أسماء أقرب ما تكون إلى التثبيت:
يعقوب
ماري (ܡܪܝ)
حننيا
يوحنا
أوديشوع
برحدبشاب (في رواية لاحقة)
غريغوريوس (في رواية لاحقة أيضاً)
ويبدو من تحليل النصوص أنهم:
من أبناء العائلات المسيحية المتعلمة في المدينة
تلقّوا تكوينهم في مدرسة بيت زبداي الكنسية
عملوا شمامسة مبتدئين أو خداماً في الكنيسة
رافقوا الأسقف هيليودوروس وخدموه في الأيام الأخيرة قبل السقوط
الفصل الثاني: عند سقوط بيت زبداي
اجتاح الفرس المدينة بعد حصار طويل. وتشير الروايات إلى أن بيت زبداي كانت تضمّ:
كنيسة كبيرة
عدد من المدارس الكنسية
ديراً صغيراً للرهبنة
مجتمعاً متماسكاً من العائلات المسيحية
وبعد اقتحام المدينة:
قُتل الكثير من الرجال
سُبي النساء والأطفال
جرى اختيار نخبة من الشبان الأقوياء والمثقفين لسوقهم إلى الداخل الفارسي
ومن بين هؤلاء وقف الشبان السبعة الذين سُجّلوا لاحقاً في نصوص ”الشهداء الفرس“.
الفصل الثالث: بداية رحلة السبي
خرجت القافلة عبر طريق نصيبين – سنجار ثم عبر السهول إلى جلولاء وبلاد جنديسابور. وكانت المسافة شاقة تمتد أكثر من 700 كم، وكان التعذيب في الطريق جزءاً من سياسة الفرس لكسر الروح المسيحية.
وتميز الشبان السبعة خلال المسيرة بـ:
خدمة الجرحى والمرضى
دفن الموتى الذين كانوا يسقطون على الطريق
مساندة الأسقف هيليودوروس الذي كان يعاني من القيود والجوع
تشجيع المسبيين بتلاوة المزامير والأناشيد السريانية
وتذكر رواية “استشهاد المسبيّين” أن أصواتهم كانت:
“تعلو في الليل مثل أصوات النسّاك، فترفع صلوات الشعب المنكوب.”
الفصل الرابع: المواجهة مع القائد الفارسي
المنعطف الحاسم في قصتهم حدث عندما:
سقط الأسقف هيليودوروس من الإرهاق
ركض الشبان السبعة لرفعه ومنع الجنود من ضربه
واحتجّ أحدهم على قسوة التعامل معه
هذا التصرف أثار غضب القائد الفارسي، فاعتُقل السبعة فوراً، وفُصلوا عن بقية الأسرى، وجرى استجوابهم.
أسئلة القائد كما ورد في النص السرياني
“أأنتم من جنود الروم؟”
“أتخدمون ملككم قسطنديوس؟”
“لماذا تحرّضون الناس على العصيان؟”
إجابات الشبان (بتصرف):
“لسنا جنوداً لملك الأرض.
نحن جنود للمسيح،
وملكنا ليس من هذا العالم.”
هذا الرد أغاظ القائد، فاعتبرهم متمرّدين دينيين وسياسيين معاً.
الفصل الخامس: محاولة إجبارهم على عبادة النار
تذكر المخطوطة السريانية أن الشبان سُحبوا إلى معبد للنار في مدينة صغيرة على الطريق (قد تكون حلوان أو خانقين)، وجرى إجبارهم على:
السجود أمام النار
تقديم بخور لآهورامزدا
القسم بالولاء لشاهنشاه فارس
لكنهم رفضوا جميعاً.
وتذكر الرواية أنهم قالوا:
“لا نسجد إلا لله الواحد،
ولا نقسم إلا باسمه.”
وهذا الرفض كان حكماً بالموت، لأن عبادة النار كانت رمزاً لطاعة الدولة الساسانية.
الفصل السادس: استشهادهم
تختلف الروايات السريانية في وصف طريقة موتهم:
النص الأقدم (القرن السادس):
قُطعت رؤوسهم بالسيوف ورُميت جثثهم في النهر كي لا تُدفن مسيحياً.
نص آخر (القرن السابع):
ضُربوا بالسياط حتى انكسرت عظامهم ثم قُتلوا واحداً واحداً.
الرواية المتأخرة (السينكسار الفارسي – القرن العاشر):
أُحرقوا قرب مدينة حلوان “كي يكون موتهم عبرة للمسبيين”.
ورغم اختلاف التفاصيل، تتفق جميعها على:
أنهم قُتلوا مجتمعين
في بداية رحلة السبي
قبل موت الأسقف هيليودوروس بقليل
وأن ذكرهم شكّل أول “سجل للشهادة” من بين مسيحيي بيت زبداي
وتختم بعض الروايات بعبارة:
“نال الشبان النصر سابعاً بعد السادس،
وكل واحد منهم كان يتقدّم إلى موته بفرح.”
الفصل السابع: أثر استشهادهم على المسبيين
ترك موت الشبان السبعة أثراً بالغاً بين المسبيين:
رفع الروح المعنوية
كانوا مثالاً للشجاعة في مواجهة الاضطهاد.
تأكيد هوية المدينة المسيحية
صار استشهادهم رمزاً لاستقامة بيت زبداي.
طريقة لكتابة التاريخ
يبدو أن أحد الكهنة الذين شهدوا استشهادهم كتب التقرير الأول الذي بُنيت عليه رواية “استشهاد المسبيّين”.
بداية تقليد التذكار
صار المسبيون يذكرون أسماءهم في صلواتهم الليلية طوال الطريق إلى فارس.
التأثير اللاهوتي
أُدرجت قصتهم لاحقاً في مجموعات “شهداء الفرس”، التي كانت تُقرأ في الأديرة السريانية الشرقية.
الفصل الثامن: مكانتهم في التراث السرياني
ينتمي الشهداء السبعة إلى سلسلة طويلة من شهداء القرن الرابع الذين سقطوا في عهد شابور الثاني.
لكن ما يميزهم:
أنهم شبان صغار
ليسوا كهنة أو أساقفة
ظلّت ب
__________________
fouad.hanna@online.de
|