[fouadzadieke]

عمتي...
رحلت آخر من بقي من بيت أعمامي
واخر وجه يشبه ذاكرة الطفولة النقية.
وآخر غصن زيتون، واخر شمعة كانت تضيء أركان البيت

ولدت في تركيا عام 1938 من عائلة بسيطة الايمان، طيبة القلب
كبرت بين إخوتها: حنا، افريم، سليمان، شكري
وأخواتها: حانا، وردي منكار
الذين سبقوها إلى الراحة الأبدية — رحمهم الله، وأسكنهم الفردوس مع الأبرار والقديسين.
لم تكن عمتي مجرد امرأة من العائلة
بل كانت عمودا من سنديان
وصخرة من الصوان .
اخر من بقي من جذور الطيبين والأصالة

تزوجت في عام 1956
وانتقلت إلى سوريا عام 1958 لتبدأ فصلًا جديدا من حياتها
وفي عام 1977 أصبحت أرملة كي تبداء رحلة الشقاء وكانها خلقت من صبر الأنبياء ومن صلابة الجبال
لن ولم تنكسر رغم قسوة السنين.....
لن ولم تستسلم بل ثابرة صامدا كالجبال كي تمنح أبناءها الستة — جميل، فهمي، بولص، بطرس، سامر، وزهرة البيت ميليا...
.كل ما تملك من عطاء ، صبر وحب دون أن تنتظر المقابل
كانت ترى في راحة أبنائها وتعليمهم رسالة عمرها وكل معنى الحياة
وربتهم على المحبة والتماسك والايمان..
وبقيت هي الصخرة بين امواج البحر تواجه الريح من كل الاتجاهات....
لن تكن الحياة سهلة عليها رغم ذالك صمدت في عطاءها دون توقف. كافحت بصمت، ضحت بشبابها، وفي بحياتها وفي احلامها، كي لا ينكسر أحد من اطفالها.

وفي أيامها الأخيرة اصبحة كطفلة لا تدرك من حولها شيئا
وكان الرب أعادها إلى براءة البداية
لتلبي دعوته كما أوصى عندما قال السيد المسيح
لن تدخلوا ملكوت السماوات ان لم تعودوا مثل الأطفال
( مت 18: 3 )

رحيلها لم يكن مجرد نهاية فصل من تاريخ العائلة بل اخر من حمل في قلبه طهر البدايات
وأمانة الاجيال، وسيرة الاباء وذكراهم التي لم تكتب بالحبر، بل بالعطاء والتضحية

برحيلها…. لم نغلق فقط ابواب الماضي….بل انطوت صفحة الحب والبساطة

كي نبدأ مسيرة الجيل الجديد استمداد من ذكراها والثابت في عقولنا

رحلت عمتي...
لكنها باقية فينا،
باقية في الذكرى، في التربية، في الكلمات، في المواقف
وفي دعائنا الذي لن ينقطع.
لن ننساك يا عمتي

كلماتي ليست مجرد حروف// سارة منكار