| 
			
			 
			
				24-10-2025, 07:57 AM
			
			
			
		 | 
	| 
		
			|  | Administrator |  | 
					تاريخ التسجيل: Jun 2005 
						المشاركات: 48,292
					      |  | 
	
	| 
				 حينَ كُنتُ في حَضْرَةِ المُتَنَبِّي  بقَلَمِ: الشَّاعِرِ فُؤَاد زَادِيكِي 
 
			
			حينَ كُنتُ في حَضْرَةِ المُتَنَبِّي 
 بقَلَمِ: الشَّاعِرِ فُؤَاد زَادِيكِي
 
 دَخَلْتُ دِيوَانَ المُتَنَبِّي، وَ قَدِ الْتَفَّ حَوْلَهُ وُجُوهُ النُّبَهَاءِ وَ الْأُدَبَاءِ، كَأَنَّمَا هُوَ بَدْرٌ يَتَلَأْلَأُ فِي سَمَاءِ البَيَانِ. كَانَ المَجْلِسُ مُضَاءً بِالمَشَاعِلِ، يَعْبُقُ بِعِطْرِ المِسْكِ وَ العَنْبَرِ، وَ أَصْوَاتُ القِيَانِ تَنْسَابُ كَالنَّهْرِ العَذْبِ فِي الآذَانِ. وَقَفْتُ عِنْدَ البَابِ بُرْهَةً، أَنْظُرُ إِلَى ذَاكَ الرَّجُلِ، الَّذِي مَلَأَ الدُّنْيَا وَ شَغَلَ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ فِي أَبْهَى حُلَّةٍ، تَكْسُو وَجْهَهُ مَهَابَةُ المُلُوكِ، وَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنَيْهِ شَرَارَةُ الذَّكَاءِ وَ الِاعْتِدَادِ بِالنَّفْسِ.
 
 تَقَدَّمْتُ نَحْوَهُ بِخُطًى وَقُورَةٍ، وَ انْحَنَيْتُ تَحِيَّةً، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَ قَالَ:
 "مَنْ أَنْتَ، وَومَاذَا تُرِيدُ مِنْ مَجْلِسِ الشُّعَرَاءِ؟"
 قُلْتُ، وَ أَنَا أُحَاوِلُ أَنْ أَثْبُتَ أَمَامَ عَظَمَتِهِ:
 "أَنَا عَاشِقٌ لِلشِّعْرِ، جِئْتُ أُنَازِلُكَ فِي مِضْمَارِ البَيَانِ، وَ أُجَارِيكَ إِنِ اسْتَطَعْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا."
 ابْتَسَمَ المُتَنَبِّي، تِلْكَ الابْتِسَامَةُ، الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ ثِقَةٍ لَا تَزَعْزُعَ فِيهَا، وَ قَالَ:
 "أَهْلًا بِمَنْ طَمَحَ إِلَى العَلْيَاءِ، فَهَلْ جِئْتَ بِزَادٍ كَافٍ لِرِحْلَةِ المُنَافَسَةِ؟"
 
 جَلَسْتُ بَيْنَ الحَاضِرِينَ، وَ قَدْ تَهَيَّأَ المَجْلِسُ لِلْمُبَارَزَةِ، وَ أَخَذَ المُتَنَبِّي يَتَغَنَّى بِأَبْيَاتِهِ:
 
 إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومِ
 فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ
 
 فَأَجَبْتُهُ، وَ قَلْبِي يَخْفِقُ بَيْنَ الضُّلُوعِ:
 
 تَسَامَيْنَا إِلَى نَيلِ العُلُومِ
 عَسانَا في مُلاقَاةِ النُّجُومِ
 
 ضَجَّ المَجْلِسُ بِالْإِعْجَابِ، فَرَفَعَ المُتَنَبِّي حَاجِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ مُتَحَدِّيًا:
 
 أَنَا الَّذِي نَظَرَ الْأَعْمَى إِلَى أَدَبِي
 وَوأَسْمَعَتْ كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَمُ
 
 فَأَجَبْتُ، مُحَاوِلًا أَنْ أَرْتَقِيَ إِلَى شِعْرِهِ:
 
 أَنَا المُغَرِّدُ يَسْمُو فِي بَلَاغَتِهِ
 أُنَادِمُ المَجْدَ وَالأَفْذَاذُ قَدْ عَلِمُوا
 
 ابْتَسَمَ المُتَنَبِّي، وَ أَلْقَى عَلَيَّ نَظْرَةَ إِعْجَابٍ مَمْزُوجَةً بِالدَّهْشَةِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الحَاضِرِينَ وَ قَالَ:
 "هَذَا فَتًى طَمَحَ كَمَا طَمَحْتُ، وَ جَرَّبَ كَمَا جَرَّبْتُ، غَيْرَ أَنَّ المِيدَانَ لَا يَسَعُ إِلَّا وَاحِدًا!"
 
 فَأَجَبْتُهُ، وَ قَدْ أَحْسَسْتُ أَنَّنِي فِي حَضْرَةِ جَبَلٍ لَا يُزَحْزَحُ:
 "وَ أَنَا يَا أَبَا الطَّيِّبِ مَا جِئْتُ لِأُزَاحِمَكَ فِي سُمُوِّكَ، بَلْ جِئْتُ لِأَنْهَلَ مِنْ بَحْرِكَ، وَ أَغْتَرِفَ مِنْ بَلَاغَتِكَ، فَالشَّمْسُ لَا تُضَاهَى وَزلَكِنَّهَا تُضِيءُ مَنْ يَسِيرُ فِي دَرْبِهَا."
 
 فَهَزَّ رَأْسَهُ مُقِرًّا، وَ قَالَ بِصَوْتٍ وَقُورٍ:
 "لِلَّهِ دَرُّكَ! فَهَكَذَا يَكُونُ السَّائِرُونَ عَلَى خُطَى المَجْدِ، وَ مَنْ طَمَحَ إِلَى العُلَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ هِمَّةٍ تُجَارِي الصُّقُورَ."
 
 وَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، شَعَرْتُ أَنَّنِي وَ إِنْ لَمْ أُنَافِسْهُ، فَقَدْ نِلْتُ شَرَفَ الجُلُوسِ فِي مَجْلِسِهِ، وَ سَمَتْ رُوحِي بِوَهَجِ البَيَانِ، فَغَادَرْتُ الدِّيوَانَ وَ أَنَا أَحْمِلُ فِي صَدْرِي شُعْلَةً لَنْ تَنْطَفِئَ.
 
 أَلْمَانِيَا فِي ٩ شُبَاطَ ٢٠٢٥
 
				__________________fouad.hanna@online.de 
 
 |