مشاركتي على برنامج ماذا لو و فقرة تجرّعتُ يومًا قطرةً من كأس الحنين في أكاديمية العبا
مشاركتي على برنامج ماذا لو و فقرة تجرّعتُ يومًا قطرةً من كأس الحنين في أكاديمية العبادي للأدب و السلام من إعداد و تقديم الدكتورة سيليا علي و إشراف عميد الأكاديمية الدكتورة شهناز العبادي
ماذا لو تجرَّعْتُ يَوْمًا قَطْرَةً مِنْ كَأْسِ الحَنِينِ
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِى
مَاذَا لَوْ تَجَرَّعْتُ يَوْمًا قَطْرَةً وَاحِدَةً مِنْ كَأْسِ الحَنِينِ؟
أَتَرَانِي سَأَغْرَقُ فِي أَمْوَاجِ الذِّكْرَيَاتِ، أَمْ سَتَحْمِلُنِي سَفِينَةُ الشَّوْقِ إِلَى مَرَافِئِ الطُّمَأْنِينَةِ؟
إِنَّ الحَنِينَ، يَا أَحِبَّتِي، هُوَ ذَلِكَ المَشْرُوبُ العَجِيبُ، الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ حَلَاوَةِ اللَّحَظَاتِ المَاضِيَةِ وَ مَرَارَةِ الفُقْدَانِ.
هُوَ سَكْرَةٌ تُلْقِي بِالعَقْلِ فِي حَيْرَةٍ، وَ تُطْلِقُ الرُّوحَ كَزَرْقَاءِ طَيْرٍ يَبْحَثُ عَنْ وَطَنٍ فِي الأُفُقِ.
مَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَكَ الحَنِينُ، وَ مَا أَقْسَى أَنْ يَحْكُمَكَ.
فَهُوَ ضَحِكَةُ أُمٍّ غَابَتْ، وَ هُوَ خُطُوَاتُ أَبٍ أَضَاعَتْهُ الأَيَّامُ، وَ هُوَ نَبْضُ صَدِيقٍ تَبَدَّدَ فِي صَخَبِ الطُّرُقَاتِ.
لَوْ أَنِّي شَرِبْتُ قَطْرَةً وَاحِدَةً، لَعَادَتْ إِلَيَّ كُلُّ تِلْكَ الوُجُوهِ، الَّتِي غَادَرَتْنِي.
سَتَصِيرُ اللَّحْظَاتُ صُوَرًا نَاطِقَةً، وَ الأَحْلاَمُ أَغَانِيَ تَنْسَابُ كَالمَاءِ بَيْنَ أَصَابِعِي.
الحَنِينُ يَجْعَلُ القَلْبَ مِرْآةً تُرِي صَاحِبَهَا مَا ضَاعَ، وَ يُذَكِّرُهُ بِأَنَّ الزَّمَنَ وَ إِنْ مَضَى، فَإِنَّهُ يَتْرُكُ نَقْشًا عَمِيقًا فِي نَفْسِ الإِنْسَانِ.
كَمْ مِنْ دَمْعَةٍ انْسَابَتْ عَلَى وَجْنَةِ الحَنِينِ، وَ كَمْ مِنْ بَسْمَةٍ وُلِدَتْ فِي أَحْضَانِهِ.
إِنَّهُ لَيْسَ عَدُوًّا وَ لَا صَدِيقًا، بَلْ هُوَ سَيِّدٌ مُتَوَجٌّ عَلَى عَرْشِ القُلُوبِ.
لَوْ سَكَبْتُ القَطْرَةَ فِي كَأْسِي، لَسَمِعْتُ أَغَانِيَ القَرْيَةِ البَعِيدَةِ، وَ رَأَيْتُ أَزِقَّتَهَا الضَّيِّقَةَ، وَشَمَمْتُ رَائِحَةَ خُبْزِ أُمِّي المَسْكُونَةَ بِالْمَحَبَّةِ.
لَعُدْتُ طِفْلًا أَعْبَثُ بِالرِّيَاحِ وَ أَطَارِدُ أَحْلَامِي فِي الحُقُولِ.
إِنَّ الحَنِينُ يُرْجِعُنَا صِغَارًا، وَ يَأْخُذُنَا كِبَارًا، وَ يُذَكِّرُنَا أَنَّنَا مَا زِلْنَا بَشَرًا نَحْتَاجُ إِلَى الدِّفْءِ وَ الطُّمَأْنِينَةِ.
فَيَا أَيُّهَا الكَأْسُ، مَهْمَا طَالَ عَهْدِي بِكَ، فَسَوْفَ يَأْتِي يَوْمٌ أَضَعُ شَفَتَيَّ عَلَيْكَ، وَ أَتَذَوَّقُ قَطْرَتَكَ.
وَ حِينَئِذٍ، سَتَنْفَجِرُ أَنْهَارُ الشَّوْقِ، وَ تَتَفَتَّحُ أَزَاهِيرُ الوَجْدِ، وَ يَسْكُنُنِي أَلَمٌ حُلْوٌ يَسْتَعْمِرُ جَنَاحَيَّ.
فَالحَنِينُ، يَا أَصْدِقَائِي، هُوَ الكَأْسُ، الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ نَشْرَبَهُ دُونَ أَنْ نَفْنَى فِيهِ.
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 18-08-2025 الساعة 08:56 AM
|