العِشْقُ وَ وَقْعُهُ فِي نَفْسِ الإِنْسَانِ بقلم: فُؤَاد زَادِيكِى
العِشْقُ وَ وَقْعُهُ فِي نَفْسِ الإِنْسَانِ
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِى
ٱلْعِشْقُ هُوَ ذَلِكَ ٱلشُّعُورُ ٱلْغَامِضُ، ٱلَّذِي يَغْمُرُ ٱلرُّوحَ كَسَحَابَةٍ دَافِئَةٍ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، يُسَافِرُ بِٱلْإِنْسَانِ فَوْقَ غَيْمَاتِ ٱلْوَهْمِ، وَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلرَّغْبَةِ إِلَى عَالَمٍ مِلْؤُهُ ٱلْجُنُونُ وَ ٱلْخَيَالُ. إِنَّهُ حَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ تُفَجِّرُ ٱلْأَحَاسِيسَ وَ تُوقِظُ مَا كَانَ خَامِدًا فِي جَوَانِبِ ٱلْقَلْبِ.
يَبْدَأُ ٱلْعِشْقُ كَهَمْسَةٍ خَفِيفَةٍ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى صَوْتٍ جَارِفٍ يَسْكُنُ ٱلصَّدْرَ، فَيُشْعِلُ نِيرَانَ ٱلرَّغْبَةِ وَ يُثِيرُ ٱلْوَجْدَ فِي كُلِّ حَاسَّةٍ. تُصْبِحُ نَظَرَاتُ ٱلْمَعْشُوقِ سُهَامًا تُخْرِقُ جُدْرَانَ ٱلْقَلْبِ، وَ تَتَحَوَّلُ ٱلْكَلِمَاتُ إِلَى نَبَضَاتٍ تُنَاغِي ٱلْخَيَالَ.
يُحَاوِلُ ٱلْعَاشِقُ فِي بَدَايَةِ أَمْرِهِ أَنْ يُخْفِيَ شُعُورَهُ، فَيَكْتُبُ ٱلشِّعْرَ، وَ يَرْسُمُ ٱلصُّوَرَ، وَيَتَأَمَّلُ فِي صَمْتٍ مَنْ يُحِبُّ. فَهُوَ يُفْضِي بِحَنِينِهِ إِلَى ٱلْوَرَقِ، وَ يَبُوحُ لِدَوَاخِلِهِ، وَ يَصْنَعُ مِنْ ٱلْكَلِمَاتِ جَسْرًا يُؤَدِّي إِلَى صَوْتِ ٱلْمَعْشُوقِ.
وَ لَكِنْ، هَلْ يَجْرُؤُ عَلَى ٱلْبَوْحِ؟ هُنَا يَكْمُنُ ٱلصِّرَاعُ. فَفِي نَفْسِ كُلِّ عَاشِقٍ خَوْفٌ يَشُلُّ ٱلْبَوْحَ، وَ حَيَاءٌ يُقَيِّدُ ٱلْكَلِمَاتِ. يَخَافُ أَنْ يُرْفَضَ، أَوْ أَنْ يُفْهَمَ خَطَأً، أَوْ أَنْ يُكْشَفَ سِرُّ قَلْبِهِ. وَ مَعَ ذَلِكَ، لَا يَكُفُّ عَنْ ٱلْحُلُمِ، فَيَبْقَى يُنَاجِي فِي خُيَالِهِ ذَلِكَ ٱلْوَجْهَ ٱلْحَبِيبَ.
يَبْنِي ٱلْعَاشِقُ عَالَمًا مِنَ ٱلْوُرُودِ وَ ٱلْأَلْوَانِ، يَرَى فِيهِ ٱلْمَعْشُوقَ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ، فِي صَوْتِ ٱلطَّيْرِ، فِي لَمْعَةِ ٱلنَّجْمِ، وَ فِي نَسِيمِ ٱلصَّبَاحِ. وَ إِنْ بَاحَ، يَبُوحُ بِلُغَةٍ خَجُولَةٍ، تُخْفِي مَا تُظْهِرُ، وَ تُظْهِرُ مَا تُخْفِي.
فَٱلْعِشْقُ قُدْرَةٌ عَجِيبَةٌ تُحَوِّلُ ٱلْإِنْسَانَ، تَجْعَلُهُ يُبْصِرُ مَا لَا يُرَى، وَ يَسْمَعُ مَا لَا يُقَالُ. هُوَ نَارٌ وَ نُورٌ، وَ حِكْمَةٌ وَوجُنُونٌ، هُوَ تَجْرِبَةٌ تُحْيِي، وَ قَدْ تَقْتُلُ إِذَا أُهْمِلَتْ.
يَبْقَى ٱلْعِشْقُ هُوَ ٱلرِّحْلَةُ ٱلْأَجْمَلُ، وَ إِنْ كَانَ مِلْأَهَا ٱلشَّوْكُ وَ ٱلرِّجْفَةُ. فَلَوْلَا ٱلْعِشْقُ، لَمَا كَانَ ٱلشِّعْرُ، وَ لَا ٱلْفَنُّ، وَ لَا ٱلْأَغَانِي، ٱلَّتِي تُذِيبُ ٱلْقُلُوبَ.
– فُؤَاد زَادِيكِى
__________________
fouad.hanna@online.de
التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 02-06-2025 الساعة 08:47 AM
|