عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-05-2025, 09:28 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,032
افتراضي نَبْضُ الرُّوحِ فِي صَوْتِ الشِّعْرِ بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي

نَبْضُ الرُّوحِ فِي صَوْتِ الشِّعْرِ


بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي

ٱلشِّعْرُ هُوَ ٱلصَّوْتُ ٱلْخَفِيُّ لِلرُّوحِ، وَ هُوَ ٱلصُّورَةُ ٱلْمَجَازِيَّةُ، ٱلَّتِي تُجَسِّدُ مَا لَا يُقَالُ فِي لُغَةِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْمُعْتَادَةِ.
يَنْبَعِثُ ٱلشِّعْرُ مِنْ أَعْمَاقِ ٱلنَّفْسِ، لِيَسْتَحِيلَ كَلِمَاتٍ نَابِضَةً بِٱلْإِحْسَاسِ، تُلَامِسُ شَغَافَ ٱلْقُلُوبِ، وَ تَسْبَحُ فِي أُفُقِ ٱلْفِكْرِ وَ ٱلتَّأَمُّلِ.
لَيْسَ ٱلشِّعْرُ مَجَرَّدَ كَلِمَاتٍ مُقَفَّاةٍ، بَلْ هُوَ رُؤْيَا وَ ٱنْفِعَالٌ، هُوَ ٱسْتِجَابَةُ ٱلشَّاعِرِ لِمَا يَدُورُ فِي كَوْنِهِ ٱلدَّاخِلِيِّ وَ ٱلْخَارِجِيِّ.

ٱلشَّاعِرُ كَائِنٌ مُسْتَثْنًى، يَرَى مَا لَا يُرَى، وَ يَسْمَعُ مَا لَا يُسْمَعُ، يَتَأَمَّلُ فِي ٱلْوُجُودِ بِنَظْرَةٍ فَوْقَ ٱلْعَادَةِ، فَيَرَى فِي ٱلرِّيحِ أَنْفَاسَ ٱلْحَقِيقَةِ، وَ فِي ٱلْقَمَرِ وَجْهَ ٱلْحُلُمِ، وَ فِي ٱلْحُزْنِ جَمَالًا غَيْرَ مَرْئِيٍّ.

غَايَةُ ٱلشِّعْرِ لَيْسَتْ فَقَطْ ٱلْبَحْثَ عَنِ ٱلْجَمَالِ، بَلْ هِيَ ٱلْوُصُولُ إِلَى ٱلْحَقِّ، وَ فَهْمُ مَعْنَى ٱلْإِنْسَانِ فِي هٰذَا ٱلْوُجُودِ ٱلْمُضْطَرِبِ.
ٱلشِّعْرُ يُطَهِّرُ ٱلرُّوحَ، وَ يَفْتَحُ لِلْقَلْبِ نَوَافِذَ ٱلضِّيَاءِ، وَ يُسَائِلُ ٱلْكَوْنَ، وَ يُجِيبُ عَنْ صَمْتِهِ بِصَوْتِ ٱلْحَرْفِ ٱلْمُشِعِّ.

ٱلشَّاعِرُ يَكْتُبُ لِكَيْ يُوَثِّقَ ٱلْوَجَعَ، وَ يَرْسُمَ ٱلْأَمَلَ، وَ يَزْرَعَ فِي نُفُوسِ ٱلْبَشَرِ نُقَاطَ ضَوْءٍ، فِي عَالَمٍ يَغْرَقُ فِي ٱلظِّلَالِ.
ٱلشِّعْرُ صَوْتُ مَنْ لَا صَوْتَ لَهُ، وَ مَلَاذُ مَنْ لَا مَلَاذَ لَهُ، وَ هُوَ ٱلصَّدَى ٱلْخَالِدُ لِمَشَاعِرِ ٱلْإِنْسَانِ.

مَنْ يَكْتُبُ ٱلشِّعْرَ، يَحْمِلُ فِي صَدْرِهِ كَوْنًا مُتَفَجِّرًا، وَ يَمْشِي فِي ٱلْحَيَاةِ وَ فِي عَيْنَيْهِ بَرْقُ ٱلرُّؤْيَا، يُحَاوِلُ أَنْ يَفْهَمَ مَا لَا يُفْهَمُ، وَ يَفْسِرَ مَا لَا يُفَسَّرُ.
وَ لِذَا، كَانَ ٱلشِّعْرُ رَحْمَةً، وَ وَسِيلَةَ ٱلْبَقَاءِ فِي وَجْهِ ٱلْفَنَاءِ.

ٱلشَّاعِرُ لَا يُنْكِرُ ٱلْأَلَمَ، بَلْ يُحَاوِرُهُ، وَ لَا يُغَفِّلُ ٱلْوَاقِعَ، بَلْ يُجَمِّلُهُ أَوْ يُفَكِّكُهُ، لِيُعِيدَ بِنَاءَهُ فِي لُغَةٍ تُشْبِهُ ٱلْأَحْلَامَ.
يُؤْمِنُ أَنَّ ٱلْكَلِمَةَ تَصْنَعُ ٱلْفَرْقَ، وَ أَنَّ ٱلشِّعْرَ قَادِرٌ عَلَى إِثَارَةِ ٱلْوَعْيِ وَ تَغْيِيرِ ٱلْعَالَمِ، وَ لَوْ فِي ٱلْقَلِيلِ.

وَ فِي نِهَايَةِ ٱلْكَلَامِ، يَبْقَى ٱلشِّعْرُ صَرْخَةَ ٱلْإِنْسَانِ فِي وَجْهِ ٱلصَّمْتِ، وَ غِنَاءَهُ فِي وَجْهِ ٱلْحُزْنِ، وَ مَجْدَافَهُ فِي بَحْرِ ٱلتِّيهِ.
هُوَ مِرْآةُ ٱلرُّوحِ، وَجَوْهَرُ ٱلْكَوْنِ، وَ نَبْضُ ٱلْوُجُودِ فِي نَغْمَةٍ خَالِدَةٍ.
__________________
fouad.hanna@online.de


التعديل الأخير تم بواسطة fouadzadieke ; 06-05-2025 الساعة 02:54 AM
رد مع اقتباس