في صباح أحد أيام تشرين الثاني من سنة 1933 كان الأستاذ الرصافي جالسا في مقهى (عارف آغا) بالميدان، يحفُّ به عددٌ من الأدباء و الأصدقاء، و في تلك الأثناء أقبل شخصٌ و حيّا الرّصافي أطيب تحية ثمّ جلس، بعدها، سأله الرّصافي عن حاجته، فأجاب:
_ جئتكم راجياً نظمَ قصيدة لإلقائها مساء اليوم في حفلة مدرستنا، و لاشكّ أنّ حضوركم الحفلة سيزيدُها رونقاً و احتراماً.
فاعتذر الرّصافي قائلاً: لا يسعني نظم شيء بمثل هذه العجالة يا أخي. إلاّ أنّه ألحَّ على الرّصافي كثيراً، و لما لم يجدْ سبيلاً للخلاص من ذا التكليف المحرج، حبكتْ عنده النكتة فقال لهُ:
_ لي عندك رجاء بسيط، إذا استطعتَ تلبيتَهُ فسأنظم القصيدة و أعاهدك على الحضور.
_ تفضّلْ أستاذ، أطلبْ؟!
_ أطلبُ منك أن تضرط حالاً.
فاحمرَّ وجهُ المسكين خجلاً، و قال له و هو يتلعثم:
_ عفوك يا أستاذ، لا أستطيع بهذه السّرعة، و في مثل هذا المكان. فقال له الرّصافي:
_ إذن طلبُكَ مردود ما دمتَ تعتقدُ أنّ نظمَ الشّعر أسهلُ منَ الضراط. ثمّ أنّه انصرف لا يلوي على شيء تشيّعهُ ضحكاتُ الحاضرين.
مقتبسة من كتاب (مجالس الأدب في بغداد) لمؤلفه: حسين الكرخي. الصفحتان 142_ 143