عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 11-07-2014, 12:42 PM
الصورة الرمزية fouadzadieke
fouadzadieke fouadzadieke غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 48,220
افتراضي تاريخ العرب في مجال الجنس والجواري 3


وقد كان للجواري أثر عظيم في سياسة القصور الإسلامية، ونستطيع أن نتصور ما كان يترتب على نفوذ جارية هي أم خليفة أو قرينة خليفة، وهن كثيرات كما قدمنا من الأثر في تدبير الشؤون العامة. نعم إن هذا النفوذ قلما ينتهي إلى حد التأثير في المبادئ الجوهرية لسياسة الخلافة، ولكننا نستطيع أن نلاحظ أنه كان يشتمل كثيرا من التفاصيل الهامة، ويؤثر في أحايين كثيرة في سير السلام أو الحرب. (ثمة ناحية أخرى كان للجواري فيها أثر قوي، ذلك هو ميدان التجسس، فيعهد إلى بعض الجواري البارعات في الحسن أن يقمن بأعمال التجسس على القصور الملكية، وكانت قصور بغداد والقاهرة والقسطنطينية كثيرا ما تلجأ إلى هذه الوسيلة للوقوف على ما تريد معرفته من أنباء القصور الخصيمة ومشاريعها. وقد ذاعت تجارة الرقيق في العصور الوسطى ذيوعا عظيماً، وكانت ثغور البحر الأبيض المتوسط وجزره أعظم مراكز هذه التجارة، وكان الرقيق من أسرى الحرب أو الغزوات الناهبة يحمل آلافاً مؤلفة إلى ثغور مصر والشام، فيحمله التجار إلى أقاصي البلدان الإسلامية في أفريقيا وآسيا، وكان أقطاب هذه التجارة الممقوتة يبذلون عناية خاصة لتعليم الجواري الحسان وتثقيفهن في مختلف الفنون وإعدادهن للخدمة الرفيعة في قصور الأمراء.



وفي الغرب لم يبلغ شأن الرقيق هذا المدى من الأهمية والانتشار، ولم تبلغ الجواري مثل هذه المكانة في القصور، ذلك أن الرق لم يزدهر في العصر القديم في الغرب، إلا عند اليونان والرومان، ثم الأمم البربرية التي اقتسمت تراث روما واقتبست نظمها وشرائعها، كالواندال والقوط والإفرنج. وفي عصر الإمبراطورية الرومانية، كانت قصور القياصرة والكبراء تغص بالرقيق من الجنسين، والجواري الحسان يقمن في القصر بالدور المريب، نفسه فمنهن الحظايا والراقصات والمغنيات بيد أنهن لم يبلغن من الوجهة الاجتماعية في القصور الرومانية أو الإفرنجية ما بلغته في قصور المشرق، بل كن يعدن دائما جنسا منحطا مريباً ويعاملن في الغالب باحتقار وخشونة، وقلما يعدن موضع الثقة أو يسمح لهن بمزاولة النفوذ. ومنذ القرن التاسع غدا الرق من الأنظمة المكروهة، وخفت وطأته نوعاً ما وبقي رائجا بين القبائل الجرمانية التي ما زالت تسودها الوثنية والبداوة.



وفي الدولة البيزنطية لم يكن الرق نظاما مشروعا من الوجهة الدينية، ولكنه كان موجودا من الوجهة القبلية بصور مخففة، والجالس على عرش قسطنطينة كثيراً ما يهدي إلى الخليفة أو السلطان عدداً من الجواري الحسان حين تصفو العلائق بينهما، ويرد الخليفة أو السلطان الهدية بمثلها، والشأن كذلك في الدول الإيطالية، لا يعترف بالرق فيها كنظام مشروع، وإن كان البنادقة والجنويون لبثوا مدى عصور من أنشط تجار الرقيق ووسطائه. ونلاحظ أن النصرانية لم تجز تعدد الزوجات ولا التسري، ومن ثم كان اقتناء الجواري لغير أغراض الخدمة المنزلية أمرا محرما من الوجهة الدينية، ولا نكاد نسمع منذ القرن الحادي عشر بتجارة الرقيق في الغرب، ولكنها استمرت بعد ذلك في الشرق قرونا، وازدهرت أيام الحروب الصليبية على يد البنادقة والجنويين وكان معظم الجواري الحسان يؤتى بهن في تلك العصور من بلاد الصقالبة (السلافيين) والمجر ومن بعض القبائل التركية البدوية في القوقاز وتركستان، ثم يحملن تباعا إلى ثغور الشام ومصر والمغرب.



وفي القرنين 17،18 نشطت تجارة الرقيق مرة أخرى، من جراء الحملات البحرية الناهبة، التي كان ينظمها خوارج البحر المغاربة، على جزر البحر الأبيض وثغور النصرانية، واستمر الرقيق نظاما مشروعا في أمم الشرق حتى أوائل القرن التاسع عشر، فلمّا اضمحلت الأمم الإسلامية، وأخذت أوربا تغزوها بنفوذها، اجتمعت الدول الأوربية على مقاومة الرق وإلغائه. وبدأت إنكلترا بذلك فألغي الرق بقانون برلماني في سنة 1834م وعدّ جريمة يعاقب عليها بالموت، وحذت باقي دول أوربا حذو إنكلترا، وأصدرت قوانين مماثلة، وانتهت الدولة العلية بالموافقة على هذه الخطوة. فألغي الرق رسميا في أراضيها، ولكنه استمر بعد ذلك، حتى أواخر القرن الماضي، وكانت الجواري السلافيات والتركيات يمثلن إلى هذا العهد حريم الأمراء الشرقيين. ويقص علينا الأستاذ أحمد شفيق باشا في مذكراته ص90، إن الخديوي إسماعيل ترك في قصوره حين تخلى عن العرش، عددا كبيرا من الجواري الشركسيات، وأن ولاة الأمر لبثوا مدى يعملون للتخلص من هؤلاء الجواري بتزويجهن بموظفي القصر والمتصلين به وترتيب النفقات لهن، ولا يزال يعيش نساء كثيرون من أبناء هؤلاء الجواري.



تتشابه أسواق النخاسة في كيفية عرض البضاعة من أقدم العصور إلى الأزمان الأخيرة. كان النخاسون الرومان يوقفون الأرقاء على حجر مرتفع بحيث يتيسر لكل واحد أن يراهم ويمسهم بيده ولو لم يكن له رغبة في الشراء، وكانت العادة عندهم أن المشتري يطلب رؤية الأرقاء عراة تماماً، لأن بائعي الرقيق كانوا يستعملون وجوها كثيرة من المكر، لإخفاء عيوب الرقيق الجسمانية كما هو معروف عند بائعي الخيل. وفي الأزمان الأخيرة في بلاد السودان أعدت مصلحة النخاسة بيتا واسعا يجتمع إليه باعة الرقيق ويعرضون فيه الجواري صفوفا مترتبة، وينسقوهن إلى درجات مختلفة في الاتفاق في السن والشكل وباقي المزايا المرغوبة. فيقفن بإزاء الجدران وبعضهن عاريات الأيدي أو عاريات الصدور والساقين، وبعضهن بلباس كامل وهن السراري، فإذا جاء لابتياع جارية فحصها فحصاً دقيقا من قمة رأسها إلى أخمص قدميها كما تفحص البهائم عند ابتياعها فيفتح فمها ليتحقق انتظام أسنانها ويكشف عن صدرها وظهرها، ثم يأمرها أن تخطو ذهابا وإيابا ليرى مشيتها لئلا يكن فيها عوج، يخاطبها ليسمع كلامها مخافة أن لا تحسن اللسان العربي، فإذا تحقق لباقتها سامها من البائع ليطلب البائع ثمناً فيطعن المشتري في أوصافها تخفيضا من قيمتها فيشكو من اعوجاج أسنانها وانحناء ظهرها وسوء نطقها، ويدفع لها ثمنا قليلا فيعمد البائع من جهة أخرى إلى بيان مزاياها الحسنة، فيذكر من أوصافها ما لا يليق ذكره هنا. ومما يقلل من قيمة الجواري شخيرهن أو ميلهن إلى السرقة فإذا تقررت الصفقة تكتب ورقة البيع ويدفع الثمن، فتصبح الجارية ملكاً للمشتري وكانت أثمانهن تختلف باختلاف جمالهن وصحتهن وعمرهن، فالجارية العجوز في السوق السودانية كانت تساوي خمسين ريالاً وكانت المتوسطة ثمانين إلى مائة ريال والفتاة التي سنها بين الثامنة والحادية عشر من مائة إلى مائة وستين ريال والسرية تساوي ما بين مائة وثمانين إلى سبعمائة ريال، أما الأرقاء من الرجال فيمتنع بيعهم إلا إذا شهد شاهدا عدلٍ أن الرق المعروض للبيع ملك صريح للبائع ويسجل ذلك، ثم لا يحل ذلك السجل إلا بشهادة العتق كما هو معروف في بلاد اليمن، فقد كانت الحكومة التركية هناك تمنح الجواري والعبيد شهادات العتق ليخلصوا رسميا من ربقة الرقية وكان السادة الأدارسة وغيرهم من ملوك اليمن يوم كان الأتراك حكام البلاد يعتدّون هذه الشهادات، وقد رغب التعايش في زمانه بمنع بيع الرقيق الذكر وتوسل لذلك بما اشترطه من الشروط التي لا يمكن تحصيلها في الشهادة على رقيته.



هكذا كانت تعرض البضاعة في أسواقها وقد شاهدها كثيرون على دكة العبيد في مكة المشرفة، أما أسواق النخاسة فمنها أسواق أثينا في الحكومة اليونانية القديمة وقد كانت أسواقاً عظيمة يباع فيها العبيد ويشترى، وفي أغلب المستعمرات اليونانية. توجد أمثال هذه الأسواق ومنها أسواقاً قبرص وساموس وصاقص كانت أسواقاً قديمة لبيع الرقيق لقربها من موارده لا تزاحمها في ذلك أسواق أثينا ومنها سوق روما الكبير الذي كان يباع فيه الرقيق بالمزاد، ومنها أسواق موزنبيق الرائجة بضاعتها التي يقصدها النخاسون من البلاد البعيدة لابتياع الرقيق، ومنها أسواق لندن وليفربول المعروفة، ومنها أسواق أم درمان الكبرى وكان موقعها في جنوب بيت المال. ومنها سوق الرقيق في جدة، وكان موقعه على بعد خمسين مترا من دار القنصلية البريطانية، ومنها سوق عرد في تهامة وهو سوق عظيم للرقيق، ومنها سوق واشنتجون وبنايته اليوم البرلمان، ومنها سوق سيرط وكانت تقام للنخاسة سوق كبرى فيها، وكان السيرطيون ذوا ولع باقتناء الرقيق ولما زلزلت سيرطا سنة 464ق.م أنتهز عبيدها الفرصة وخانوا أسيادهم وكادوا يخربون المدينة ثم اعتصموا في جبل اتوي، ولم يقدر السيرطيون أن يخضعوهم واستعانوا بالأثينيين عليهم فأخضعوهم وسلموا على شرط أن يسمح لهم أن ينزحوا مع مالهم فساعدهم الأثنيون وأسكنوهم في توبكوس على الشط الشمالي من خليج كورتشوس وصاروا أعوان أثينا في حروبها، ومنها ما كان في مكة المشرفة فقد كان سوق النخاسة فيها دكة تسمى دكة العبيد وهي معروفة، يوقف عليها العبيد لعرضهم للبيع، ومنها سوق تونس التي يجلب إليها العبيد من أوساط أفريقيا، ومنها سوق القاهرة بمصر عند باب زويلة أيام دولة المماليك، وفي العهد الحديث كان للرقيق وكالات أشبه بالبيوت لا ينقطع فيها البيع بأثمان معلومة، ومنها سوق ميدي وهي مركز مهم لتصدير الرقيق إلى عقبة اليمن والعسير وجدّة[10].



قال الريحاني: وإذا أراد أحد السادة الأدارسة شراء جارية حسناء يجيء إلى ميدي فلا تضل خطاه ومناه: والمعتمد البريطاني له صفة رسمية في الرقابة على النخاسة (قال): وقد رأيته استحضر نخاسا فسأله كيف السوق؟ فقال: واقفة، ثم سأله جارية للريحاني فأجاب لا يوجد اليوم ولا واحدة لا عندي ولا عند أصحابي، السوق واقفة ولم يدخل سنبوك واحد منذ شهرين وطلب منه أن يفتش ولو على دنفلية والثمن غير بخس؟ فأجاب أنه لا يوجد في ميدي الآن شيء من ذلك
__________________
fouad.hanna@online.de

رد مع اقتباس