اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة kestantin chamoun
إعادة إنجيل يهوذا من أميركا يثير حفيظة أقباط مصر .. عُثر عليه قبل 38 عاما في المنيا... وهُرّب إلى الخارج
| القاهرة - من أغاريد مصطفى |
أثار الاتفاق الذي توصل إليه المجلس الأعلى للآثار في مصر أخيرا مع السلطات الأميركية، لاستعادة وثيقة تاريخية قديمة تتعلق بـ «يهوذا الاسخريوطي» المعروف بـ «التلميذ الخائن للمسيح»، جدلا واسعا داخل الأوساط المسيحية المصرية.
ففي وقت أيدت مجموعة من رجال الدين المسيحي، الاتفاق، موضحة أن الوثيقة تعد أثرا قبطيا قيما، لا يمكن التفريط فيه، رفض آخرون عودة تلك الوثيقة، مؤكدين أنها تحتوي على معلومات وتفاصيل مغلوطة عن السيد المسيح، وغير معترف بها من الكنيسة المصرية، وفي حال اعادتها، فإنها ستثير البلبلة بين جموع المسيحيين.
والوثيقة المشار إليها هي «إنجيل يهوذا»، الذي يخالف بقية الأناجيل التي تقرها الكنائيس المسيحية، فهو ينكر الوهية المسيح، ويبرئ يهوذا من تهمة خيانة السيد المسيح وتسليمه إلى الرومان لصلبه مقابل 30 قطعة من الفضة.
نائب بطريرك الكاثوليك في مصر الأب يوحنا قلتة، قال: «من الصعب جدا عودة هذا الإنجيل إلى مصر، ومن الأفضل أن يظل في الولايات المتحدة، لأنه تعرض للتحريف الشديد، وتضمن معلومات مغلوطة عن المسيح، ومن ثم رفضت الكنائس الاعتراف به، كما فعلت مع إنجيل برنابا». وأضاف لـ «الراي»: «نحن في الكنيسة المصرية على أتم استعداد لمواجهة هذا الإنجيل المحرف، وغير المعترف به، والرد على ما جاء فيه من مغالطات واضحة». وشدد على أن إنجيل يهوذا «حُرف من السلطة الدينية مثلما حدث مع بعض الكتب السماوية الأخرى».
أما كاهن كنيسة أرض شريف في القاهرة القس رفعت فكري، فأكد لـ «الراي» عدم اعتراف أي طائفة مسيحية في مصر بإنجيل يهوذا، «ولا يوجد من يؤمن به، وبالتالي فإعادته إلى مصر أمر لا طائل منه». وأضاف: «ما يوجد في إنجيل يهوذا، يخالف تماما ما هو موجود في الأناجيل الأخرى المعتمدة والمعترف بها، كما أنه تم وضعه في وقت متأخر جدا، ولا يعبر عن الفترة الزمنية التي عاش فيها المسيح، لذا رفضته الكنيسة المصرية تماما».
على الجانب الآخر، رحبت مجموعة من رجال الدين المسيحي بعودة الإنجيل المثير للجدل، ومنهم عميد المعاهد اللاهوتية في الشرق الأوسط رسمي عبدالملك، وقال: «إذا كان التعامل مع إنجيل يهوذا سيكون على اعتبار أنه وثيقة أثرية، فمرحبا بعودته». وصرح بان «هذا الإنجيل لا يمكن بأي حال من الأحوال إضافته للكتاب المقدس، إلا بعد موافقة المجمع المقدس، وهذا شبه مستحيل».
واتفق مع هذا الرأي، كاهن كنيسة مسطرد القمص عبدالمسيح بسيط، وأوضح أن إنجيل يهوذا «يتضمن مغالطات لا حصر لها، فقد اعتبر أن الأشرار صالحون، وأن الصالحين هم الأشرار، وأن يهوذا هو الوحيد الذي يعرف أسرار الله، وهذا بالطبع غير صحيح».
وأضاف: «سبق أن تم الرد على كل هذه المغالطات، وتقديم الصحيح، فشعب الكنيسة يعرف أنه إنجيل محرف ومزيف، ومن ثم فإن عودته لا تقلقنا على الإطلاق، فهو وثيقة لها قيمة أثرية كأحد الكتب المزيفة». وأكد رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية في مصر فرج فضة، من جهته، «أن عودة إنجيل يهوذا إلى مصر مسألة وقت فقط، فقد تم إبرام الاتفاق النهائي مع السلطات الأميركية». وقال: «نتعامل مع ذلك الإنجيل باعتباره أثرا مصريا فقط ولا دخل لنا بمضمونه».
يشار إلى أن إنجيل يهوذا، عثر عليه بعض الفلاحين داخل كهف في بني مزار في محافظة المنيا العام 1972، وتم بيعه لأحد تجار الآثار، الذي هربه بدوره إلى خارج مصر.
08042010
|
إنجيل يهوذا يعود ويفجّر العلاقة بين العقيدة والتاريخ
مازالت العلاقة بين الدين والتاريخ ملتبسة، ما يجعل العلاقة بين الآثار والعقائد أكثر التباسا، هذا ما اتضح من الجدل الذي دار في الأوساط الأثرية والمسيحية المصرية في الأيام الأخيرة، بسبب الإعلان عن اتفاق بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، يستهدف استعادة أحد الآثار المصرية من أمريكا، وهي مجموعة وثائق تمثل إنجيل يهوذا الاسخريوطي، أحد حواريي السيد المسيح الاثنى عشر، والمعروف في الأوساط المسيحية بأنه الشخص الذي سلم المسيح للروم مقابل ثلاثين من الفضة، بحسب ما تذكره الأناجيل الأربعة المعترف بها في الكنائس المختلفة.
الأزمة التي يمثلها هذا الإنجيل أو " الوثيقة " أنه ينطوي على شهادة يهوذا الذي يبرئ فيها نفسه، ويعتبر نفسه أقرب أصدقاء وحواريي المسيح، وأنه سلم المسيح للروم بناء على رغبته لإتمام مشيئة الرب، حتى يصلب ويكفر عن ذنوب البشرية.
هذا التفسير لقصة يهوذا مع المسيح ليس جديدا أو بدعة في المسيحية ، بل يمثل وجهة النظر التي عادة ما يتبناها الفكر الصوفي في الأديان المختلفة، فقد سبق أن أعلن بعض المتصوفة وعلى رأسهم منصورالحلاج " ت 305 هجرية"، وجهة نظره في مسألة الغواية، كما جاء في كتابه " الطواسين " ، إذ تحدث عن دور الشيطان في تحريض البشر على المعصية، انطلاقا من المرتبة المميزة التي كان يحتلها الشيطان بين الملائكة قبل خلق آدم، ولذلك أوكل إليه الله المهمة الأصعب على الإطلاق وهي غواية البشر واستقبال اللعنات منهم.
بنفس المنطق تقريبا يأتي إنجيل يهوذا ليبرئ صاحبه من تهمة خيانة المسيح، الأمر الذي ترفضه العقيدة المسيحية وتعتبره قلبا للحقائق، وتشكيكا في صلب العقيدة، لذلك توقع البعض أن يثير هذا الإنجيل أزمة حال عودته إلى مصر، وقيام البعض بترجمته والاستشهاد به بهدف هدم وتقويض العقيدة المسيحية، ورغم أن الكنيسة المصرية لم تعترض على عودة الأثر الذي غادر مصر عن طريق تجار الآثار في سبعينيات القرن الماضي، وترفض الربط بين الأثر والعقيدة، إلا أن المخاوف مما قد يثيره هذا الأثر تتزايد، خاصة في ظل الاحتقان الطائفي الذي تشهده مصر من فترة لأخرى.
يرفض الكثير من الباحثين والمؤرخين الاعتماد على النصوص الدينية في تعقب الأحداث التاريخية، ويعتبرون النص الديني صاحب دور وتأثير عقائدي أكثر من دوره التاريخي والتوثيقي، ومن ثم يصبح النص الديني بمعزل عن بيئته التاريخية، خاصة مع صعوبة اكتشاف عمر الأثر، إذ يتم التعرف على زمنه بشكل تقريبي وليس يقينيا، ومن ثم تتفاوت طرق التعامل معه باعتباره أثرا حقيقيا أم مزيفا، وبالإضافة إلى ذلك تبقى طبيعة المادة التي يحملها الأثر محل تساؤل، خاصة إذا ما كان الأثر نصوصا مكتوبة وغير كاملة، هنا تأتي النصوص الناقصة أو غير الواضحة لتضع أكثر من علامة استفهام تستوجب الإجابة قبل طرح النص للمناقشة العقائدية أو حتى التاريخية.
عودة الأثر المصري الضائع، الذي يعود لآثار منطقة بني مزار، وكان يصنف ضمن آثار نجع حمادي، أمر لا جدال عليه، في ظل المحاولات المصرية المستمرة لاستعادة الآثار المهربة، ولكن المشكلة الحقيقية في علامات الاستفهام أو الجدل الذي يمكن أن يثيره أحد الآثار نتيجة مخاوف عقائدية، أو تعنت من قبل أتباع طائفة أو ديانة، ترى في هذا الأثر أو ذاك مساسا بها، وهو الأمر الذي يحتاج إلى توعية بأهمية الأثر، بصرف النظر عن قيمته العقائدية، فالقيمة الأثرية والتاريخية هي الأهم ومناط الحديث في هذا الصدد، ومن ثم تكون الاعتراضات العقائدية على استعادة أثر ما، هي نوع من التحفز والتحيز، انطلاقا من رؤية أحادية تحاول أن تحمي نفسها وعقيدتها، مما يمكن أن يحمله ذلك الأثر من أفكار تتعارض مع أفكارها، دون النظر إلى القيمة التي يمثلها الأثر.
المخاوف المسيحية من عودة إنجيل يهوذا إلى مصر، تكاد تكون مصابة بقصر النظر، نظرا لكون هذا الإنجيل مترجما بالفعل وتوجد الكثير من الدراسات حوله، ما يجعل عودته إلى مصر كأثر، منصبا على قيمته الأثرية فقط، في حين أن دوره العقائدي ينتفي تماما، فما يمكن أن يثيره هذا الإنجيل من جدل عقائدي أثير بالفعل، ووجوده كأثر في مصر، لن يمنحه قوة خارقة تجعله يسبب الضرر أو الأذى بالعقيدة المسيحية، ولكن الاعتراضات الحقيقية تخرج من باب التحفز والاحتقان، والإحساس بسوء النية المبيتة لدى بعض المتعصبين، خاصة أن الكنيسة الرسمية لم تبد اعتراضا على عودة الإنجيل، وفصلت تماما بينه كوثيقة أثرية، وبين كونه نصا عقائديا، الأمر الذي يحيل إلى ضرورة التفريق بين قيمة النصوص من الناحية التاريخية والأثرية والعقائدية ، حتى لا يتم استغلال الأثر أو الوثائق في حروب جانبية بين العقائد أو الأفكار، بل وتظهر اتجاهات ترفض عودة قيمة أثرية خاصة بمصر، لمجرد أنها تتضمن أفكارا عقائدية مغايرة للسائد والمألوف.
محمد الكفراوي
تاريخ نشر الخبر : 12/04/2010